IMLebanon

الهستيريا السياسية.. وقوى الوقت الضائع

 

 

يعيش بعض القوى السياسية في الساحة اللبنانية حالةً من الهستيريا غير المبرّرة في المنطقة، ولكنها قد تكون مفهومة لدى بعض المصدومين من التبدّلات التي تشهدها المنطقة. وتختلق هذه القوى الأزمات من هنا وهناك، تتنازع مع نفسها، تحصد بطولات وهمية، ثم تعود خالية الوفاض.

نماذج عدة كانت واضحة أمامنا منذ انطلاق معركة «طوفان الأقصى»، منها ما هو حكومي، أو حدودي، أو ما أثير أخيرًا في ملف النزوح السوري.

لم تكن معركة «طوفان الأقصى» واضحة المدة لدى جزء كبير من المتابعين للمشهد الإقليمي، كما أنّها لم تكن واضحة المضمون. «محور المقاومة» عبّر عن نفسه في جبهات الإسناد مبديًا وعيًا غير متوقع لدى الخصوم قبل الحلفاء. لم تترك جبهات محور المقاومة الجيش الإسرائيلي يستفرد بحركة «حماس» وفصائل المقاومة في غزة، كما أنّها حافظت على توازن داخلي في مختلف الجبهات الداخلية، الأمر الذي حطّم آمال البعض سواءً في جبهات لبنان أو العراق.

عبّرت حكومة نتنياهو عن ضعفها في توسيع الحرب ضدّ المقاومة في جنوب لبنان، فصُدم أصحاب نظريات «إسرائيل قادمة لتنهي المقاومة في لبنان»، ولكن على رغم من كل ذلك لم يتراجعوا عن هجمتهم على المقاومة خصوصًا في الإعلام!

أزمة الكيان الصهيوني باتت عالمية، والبعض في لبنان ما زال يعيش هستيريا عدم قدرة إسرائيل على إنقاذه، في وقتٍ تبحث إسرائيل عن منقذٍ لها، ليدخل البعض في الهستيريا الإسرائيلية، لكن في الوقت الضائع.

هستيريا عمل الحكومة

من ليونة المقاومة في تعاطيها مع الداخل اللبناني في ملف معركة «طوفان الأقصى» إلى ليونة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مقاربته للملفات الداخلية. كان يستطيع الرجُل أن يقفل القصر الحكومي ويتابع أعماله في الخارج، لكن خصوصية المرحلة تستدعي عدم ترك البلد لمصيره الأكثر جهلًا إنطلاقًا من أننا نعيش في المجهول بسبب الأزمات التي ضربتنا منذ 17 تشرين من العام 2019 حتى يومنا هذا.

بين ما قامت به الحكومة من تثبيت جزئي للاستقرار المالي واستعادة جزء من القدرة الشرائية للموظفين في الإدارة العامة مع التحفّظ عن تقصيرها مع الأجهزة الأمنية التي تتقدّم في الأهمية انطلاقًا من أنَّ الإنتاجية لا تتقدّم على الاستقرار، لكن يمكننا القول إنّ الحكومة قدّمت شيئًا هو أفضل من لا شيء.

بالتوازي، كان واضحًا أنَّ بعض القوى السياسية ما زالت تعتبر لقاءات الحكومة على القطعة ممكنة، في وقتٍ تريد أن ترفع الشرعية عن عمل الحكومة، وهنا تتجسّد هستيريا عمل الحكومة.

هستيريا النزوح السوري

منذ بداية الأزمة في سوريا كان النزوح السوري يتزايد بمباركة وطنية من المراهنين على سقوط النظام في سوريا، لأنّهم علموا ممن في الخارج أنّ السقوط قادم لا مُحالة، لكن لم تسقط سوريا واستمر النزوح تدريجيًا وصولًا إلى يومنا هذا. في العام المنصرم لم يكن عدد النازحين أقل بكثير، لكن المزايدة في ملف النازحين تضاعفت هذا العام. كذلك الأمر على مستوى الدعم الخارجي للنازحين لم تكن بعيدة عن الحصة التي وضعت أخيرًا أي قرابة 270 مليون دولار، ففي العام المنصرم كانت نحو263 مليون دولار. لذلك قد يكون التركيز على تقديم حلول من أجل تنظيم الداخل اللبناني في ظل النزوح السوري على غرار ما يقوم به الأمن العام والأجهزة الأمنية هو الحل الأكثر صدقية اليوم، لنعوّض بعضاً من سيئات ما حصل في الأمس القريب.

ما تغيّر أخيرًا هو كذلك عبارة عن هستيريا جديدة لدى بعض القوى السياسية، وهي هستيريا النازحين التي يعتقد البعض أنّه متضرر منها، لكن حقيقة الأمر أنَّ الجميع متضّرر منها، والضرر الأكبر أننا في السنوات الخضر غاب النزوح عن الواجهة، لأنَّ الأموال الخضر كانت تتدفق في صناديق ووزارات لمستفيدين مما كان يُقدّم للنازحين، لكن اليوم في السنوات العجاف يبدو أنَّ الأموال ستكون أكثر دقة في وجهتها وليس للوزارات مباشرة.

اليوم كل ما يحصل من هستيريا سياسية هو كاللعب في الوقت الضائع، فلا الرهان على وقف اطلاق إلنار على جبهات المساندة سينجح، ولا إقفال القصر الحكومي سينجح، كما أنّ المزايدات من الضرر من ملف النازحين لم تنجح، فالضرر عام وليس خاصًا، والفئات المتضرّرة في لبنان طائفيًا هي كذلك 6 و6 مكرّر، لكن ربما بنسب الواقع اللبناني وليس بنسب المحاصصة المعهودة.