IMLebanon

هل من فجر جديد للإسلام السياسي؟

 

 

أظهر تقرير أعدّه الدكتور مايكل روبنز لمؤسسة «البارومتر العربي» مطلع ايار الجاري، انّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شهدت على مدار السنوات الخمس الأخيرة صعوداً في معدلات التدين، خصوصاً في أوساط الشبان. وأجاب التقرير عن اسئلة حول تداعيات هذا الأمر على المنطقة؟ وهل تواكب هذا الإقبال المتزايد على التدين الشخصي تغيّرات في الآراء حول دور الدين في السياسة؟ هل يعني هذا التغيّر بعثاً جديداً للإسلام السياسي في المنطقة؟

ويشير التقرير، في ضوء نتائج استطلاعات الرأي الممثلة لمستوى الدول في الدورة السابعة للبارومتر العربي،»أنّ الإسلام السياسي في طريقه للعودة. وانّ في غالبية الدول التي شملها الاستطلاع، يعرب المواطنون الصغار منهم والكبار على حدّ سواء، عن تفضيل واضح لزيادة دور الدين في السياسة. وهذه هي المرة الاولى تتضح فيها زيادة دعم الإسلام السياسي بمقدار يُعتد به منذ انطلاق الانتفاضات العربية في 2011. وأنّه على رغم من أنّ هذه التوجّهات في الآراء قد لا تستمر، فإنّها، إذا استمرت، يمكن أن تعيد للإسلام السياسي أهميته كقوة سياسية كبرى في المنطقة.

ويقول التقرير، انّه على رغم من نجاح الحركة الإسلامية في صناديق الاقتراع بعد 2011، لم ينل الإسلام السياسي دعماً كبيراً عبر المنطقة. إذ انّه في الفترة ما بين 2012و2014 لم تقل الغالبية في أي دولة شملها الاستطلاع، بضرورة أن يكون لرجال الدين سلطة على القرارات الحكومية.
وفي محاولة لفهم ما إذا كان رأي الناس أن يلعب الدين دوراً أكبر في السياسة، وهي الأيديولوجية الأساسية للإسلام السياسي، يُلاحظ التقرير، أنّ في السودان فقط (47 في المئة) وكذلك اليمن (48 في المئة)، إذ قال أكثر من 4 من كل 10 مواطنين بضرورة وجود هذا الدور للقيادات الدينية.
في الغالب، يضيف التقرير، لم يتغيّر هذا التصور حتى نهاية العقد. ففي الفترة 2018-2019، فقط في السودان قال النصف على الأقل بأنّهم يدعمون وجود دور للقيادات الدينية في القرارات الحكومية. ومقارنة باستطلاع 2012-2014، لم يتغيّر الدعم بأكثر من 5 نقاط مئوية في 6 من 9 دول شملها الاستطلاع. والاستثناء كان المغرب، حيث تراجع الدعم لهذه المقولة 9 نقاط مئوية، وفي لبنان والعراق حيث زاد بواقع 11 و10 نقاط مئوية، على التوالي.
ويقول التقرير، انّه «في الوقت الراهن، تلعب الأحزاب الإسلامية دوراً أصغر بكثير في سياسة المنطقة، مقارنة بالوضع الذي ساد في السنوات التالية للانتفاضات العربية. فـ»الإخوان المسلمون» جماعة محظورة حالياً في مصر، وحزب «النهضة» في تونس يتعرّض لحملة قمعية، فيما خسر «حزب العدالة والتنمية» الانتخابات النيابية في المغرب. وسُجّل استثناء ملحوظ في لبنان وغزة، حيث لم تعد التنظيمات الإسلامية تلعب دوراً كبيراً في السلطة عبر المنطقة.

ويجيب التقرير عن سؤال: هل تأتي هذه العودة للمعارضة بفرص زيادة الإقبال على الإسلام السياسي؟ فيقول: «يظهر من بيانات البارومتر العربي أنّ هذا احتمال قائم بقوة. فمنذ 2018-2019 زاد الدعم لإيديولوجية الإسلام السياسي. وفي 2021-2022 أيّد النصف أو أكثر في 5 من 10 دول شملها الاستطلاع، أن يكون لرجال الدين نفوذ على القرارات الحكومية، وبلغت نسبة تأييد المقولة 77 % في موريتانيا و62 % في السودان و57 % في ليبيا و54 % في العراق. فقط في تونس (23 %) ولبنان (22 %) ومصر (20%)، قال أقل من 4 من كل 10 أشخاص بضرورة أن يلعب رجال الدين دوراً في القرارات الحكومية.
وحسب التقرير، يُلاحظ أنّ هذه النسب تزيد عن النسب المرصودة في 2018-2019 في 6 من 9 دول شملتها الاستطلاعات. وتبلغ الزيادة مداها في ليبيا (27 نقطة مئوية) ثم الأردن (15 نقطة) والمغرب (14 نقطة) والسودان (10 نقاط)، بينما طرأت زيادات أصغر في كل من فلسطين (7 نقاط) والعراق (6 نقاط). في الوقت نفسه، لم يتراجع دعم الدور السياسي للقيادات الدينية في أي دولة. في الدول الثلاث المتبقية، وهي لبنان ومصر وتونس، يقع التراجع في نسب الإقبال على المقولة ضمن هامش خطأ الاستطلاع، ما يعني أنّه لم يحدث تغيّر فعلي في الإقبال على هذا الرأي. وفي اختصار، لم يتراجع دعم دور الدين في السياسة عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فعلياً.
ويضيف التقرير: «بينما الشبان بين 18 و29 عاماً هم من يقودون العودة إلى الدين عبر المنطقة، فإنّ صعود الدعم للدين في السياسة منتشر أكثر عبر المجتمع. ففي غالبية الدول، تتغيّر آراء الشرائح العمرية الأكبر والأصغر في هذا الصدد بنحو متناسق. الشبان هم الأكثر إقبالاً على دعم دور أكبر للدين في السياسة في 6 دول من 9 شملها آخر استطلاعين. الشبان في ليبيا هم الأكثر إقبالاً على هذا الرأي (22 نقطة) ثم المغرب (20 نقطة) والأردن (19 نقطة) والسودان (10 نقاط) وفلسطين (8 نقاط) ومصر (6 نقاط). في تونس والعراق ولبنان، يقع التغيّر في الآراء ضمن هامش الخطأ، ما يعني عدم حدوث تغيّر فعلي.

 

اما بالنسبة إلى من يبلغون من العمر 30 عاماً فأكبر، فكانت النتائج مماثلة نسبياً. هناك زيادة فعلية في دعم دور رجال الدين في السياسة في ليبيا (32+ نقطة مئوية) والمغرب (24+ نقطة) والأردن (14+ نقطة) والعراق (11+ نقطة) والسودان (9+ نقاط) وفلسطين (7 نقاط). وفي لبنان كانت الزيادة على حدود هامش الخطأ (3+ نقاط) وفي تونس لم يطرأ اختلاف، بينما حدث تراجع طفيف في مصر ضمن هامش الخطأ (3- نقاط).
وينتهي التقرير إلى التأكيد انّ هذه النتائج تُظهر أنّ دعم الإسلام السياسي آخذ في الصعود، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ الإسلام السياسي كأيديولوجية سوف ينمو ويتحول حركة شعبية كما كان الوضع قبل الانتفاضات العربية. وكذلك هي الحال بالنسبة إلى التزايد المرصود في مستويات التدين خلال السنوات الخمس الأخيرة، وربما ينعكس هذا التوجّه في المستقبل. لكن خلال السنوات الأخيرة عموماً، اكتسبت فكرة دور الدين في السياسة قبولاً أكبر في عقول الناس وقلوبهم في المنطقة.