IMLebanon

أزمة عُرِفَت بدايتها… فمتى النهاية؟

 

منذ اليوم الأول للحراك الشعبي، الذي انطلق في 17 تشرين الاول المنصرم، طُرحت في الأوساط السياسية والشعبية تساؤلات كثيرة عمّن يقف خلفه من دول وأحزاب وتيارات؟ في اعتبار أنّ الحراكات المتشابهة السابقة، التي نظّمها ما أُطلق على تسميته «المجتمع المدني»، ضُبطَت التدخلات الخارجية والحزبية والسياسية الداخلية فيها بـ»الجرم المشهود».

هناك إجماع رسمي وسياسي وحزبي وشعبي على انّ المطالب والشعارات التي طرحها الحراك الشعبي منذ انطلاقته ولا يزال، هي مطالب مُحقّة وتعبّر عن وجع السواد الأعظم من اللبنانيين، وليس هناك من مبالغة فيها، خصوصاً بعدما دخلت البلاد، بأوضاعها الاقتصادية والمالية والمعيشية، في مرحلة دقيقة تستدعي معالجة في العمق لتلافي الانهيار.

 

ولكن في موازاة هذا الاجماع، يَنبري سياسيون الى التشكيك باستقلالية الحراك عن أي دوافع وتدخلات خارجية، ويذهب هؤلاء الى حد ربطه بـ»أجندات» خارجية، مُستَدلّين الى ذلك من خلال بعض الشعارات التي يرفعها المتظاهرون، ومنها مطالبتهم بسلاح «حزب الله»، وأن لا يكون في لبنان سلاح إلّا سلاح القوات المسلحة اللبنانية.

 

وإذ يشتبه هؤلاء السياسيون بوجود تدخّل أميركي خلف الحراك، أو خلف بعض منظّمات المجتمع المدني المُشاركة فيه، يقول خبراء في السياسة الاميركية انّ الأميركيين غالباً ما يتدخلون في هذا النوع من الحراك الشعبي عبر إسداء النصائح للقائمين به، وليس عبر استعمال القوة، وحتى الآن لم يُلحظ أنّ هناك حماسة أو تدخلاً أميركياً فعّالاً في الحراك اللبناني، علماً أنّ الولايات المتحدة الأميركية لا تَتورّع عن تشجيع ودعم أي عمل أو تحرّك في لبنان تعتقد أنه يُلحق ضرراً بـ»حزب الله»، الذي تصنّفه «منظمة إرهابية».

 

ولذلك، يقول الخبراء أنفسهم إنهم لم يلاحظوا وجود «تدخل جدي وفعّال للأميركيين في الحراك على رغم أنهم قادرين على ذلك، ولَو كانوا جَديين في هذا الأمر ويرغبون التدخّل لكانوا نفّذوا تهديدهم ووعيدهم بمعاقبة حلفاء «حزب الله»، وفي مقدمهم «التيار الوطني الحر»، الأمر الذي لم يحصل، ما يدلّ الى أنّ الأميركيين لم يصلوا بعد الى هذا الحد من المواجهة ضد «حزب الله».

 

هناك اختلافات كبيرة بين ما يجري في العراق وما يجري في لبنان، يقول الخبراء في السياسة الاميركية، حيث انّ البعض يحاول الربط بين الحراكَين الشعبيين اللبناني والعراقي، ويقول إنّ محرّكهما أو داعمهما واحد خدمة لمخطط واحد. لكنهم يرون أنّ الوضع العراقي مختلف عن الوضع اللبناني، فهناك فريق من الشيعة العراقيين «يتذمّرون» من الوجود الإيراني في الحياة السياسية العراقية، بينما «حزب الله» في لبنان يؤكّد صراحة انتماءه الى ولاية الفقيه. وإذا صادفَ أنّ الحراك الشعبي يحصل في البلدين في الوقت نفسه، فإنّ ذلك لا يعني أنهما مُنسّقَان، فهناك حراك مماثل يحصل هذه الأيام في بعض دول أميركا اللاتينية أيضاً.

 

ويكرّر الخبراء في السياسة الاميركية التأكيد في هذا السياق أنهم لم يلاحظوا وجود أيّ رابط بين ما يجري في لبنان وما يجري في العراق، ويقولون: «إنّ الولايات المتحدة الاميركية تشجّع أيّ عمل يضرّ بـ»حزب الله» في لبنان، ولكنها على رغم ذلك لم تدخل بقوّة على خط الحراك بهدف تغيير موازين القوى فيه. في حين أنها في العراق تستخدم القوة لوجود فريق من الشيعة يُعارض الدور الايراني في بلاد الرافدين، ولأنه تاريخيّاً لم تكن هناك اختلافات كبيرة بين الشيعة والسنّة العراقيين، فيما يوجد الآن اتفاق بين فريق من هؤلاء الشيعة وبين السنّة العراقيين على معارضة الدور الايراني، الأمر الذي تشجعه الولايات المتحدة الاميركية، بحسب الخبراء.

 

لا أحد يعرف ما سيؤول إليه مصير الحراك الشعبي في ضوء المواجهة الدائرة بينه وبين السلطة. فهذا الحراك، يقول الخبراء في السياسة الاميركية، يرفع مطالب كثيرة ويُنادي بأشياء مختلفة تماماً عمّا تطرحه السلطة، ومنها مطالبته بإجراء انتخابات نيابية خارج القيد الطائفي وعلى أساس اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة، ولكن عندما يُطلب منه تكوين لجنة أو هيئة لكي تحاور السلطة باسمه، يَردّ متّهماً إيّاها بالعمل لإحداث خلافات تُفرّق بين صفوفه. ولكن الواقع يشير الى أنّ هناك خلافات داخل الحراك، يُقابلها خلافات داخل السلطة، وخلافات بين السلطة والحراك، وخلافات بين الحراك والناس، وخلافات بينه وبين القوى السياسية التي لا تؤيّد التظاهر وإقفال الطرق، الأمر الذي يدلّ الى أنّ الدولة منقسمة على نفسها، والحراك منقسم على نفسه، والشعب منقسم على نفسه.

 

ولذلك، لا أحد يعرف كيف ستنتهي الأزمة، بينما كثيرون يقولون إنّ الدولة إذا أظهَرت حكمة تستطيع أن تُنهيها. إلّا أنّ الانطباع السائد لدى كثيرين هو أنّ هذه الأزمة عرف الجميع بدايتها ولكن لا أحد يعرف بعد كيف ستكون نهايتها.