IMLebanon

إنفجار العنبر رقم 12… تحقيق غير رسمي

 

تماماً، كالإنفجار الذي ذهب ضحيّته الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، ربّما يحتاج الإنفجار الكبير الذي ترك دماراً كبيراً في بيروت في 4 آب الحالي إلى تحقيق دولي لكشف الحقيقة. تماماً، كما حصل في 14 شباط، قد يبقي أمر انفجار العنبر رقم 12 لغزاً لا يُمكن فكّ عقده إلّا من خلال تدويل القضية، وإصدار قرار جديد من مجلس الأمن بهذا الخصوص.

 

حجم الإنفجار لا يجعله مسألة لبنانية فقط، بل قضية عالمية لا يُمكن أن يتجاهلها المجتمع الدولي. وبالتالي، لا يجب أن يقتصر التحقيق فيها على المؤسّسات الأمنية والقضائية اللبنانية.

بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، جرت محاولات للعبث بمسرح الجريمة وطمس معالمها، وهذه المسألة هي التي ركّزت عليها لجنة تقصّي الحقائق الأولى التي أوصت بأن تكون هناك لجنة تحقيق دولية في القضية.

بعد انفجار العنبر رقم 12، لم يكن تعاطي الحكومة والأجهزة الأمنية والقضائية بالمستوى الذي يستوجبه حجم هذا الإنفجار، الأمر الذي يُمكن أن يستنتج منه إمكانية أن تكون هناك عملية تضليل لحجب الحقيقة الأساسية، وجعل المسألة تبدو وكأنّها قضاء وقدر، ولو أنّها قضت على الحجر والبشر.

نيترات لا مفرقعات

في البداية، بعد دقائق على الإنفجار، تم تسريب معلومات أولية عبر مذيعة في مؤسسة إعلامية مرئية تقول أنه حصل في العنبر رقم 12 وأنه نتيجة انفجار مفرقعات نارية الأمر الذي لم يكن ليُصدَّق، خصوصاً أنّ حجم الدمار لم يكن قد ظهر بعد.

المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي وصل بعد أكثر من ساعة إلى مسرح الجريمة كشف بعض ما خفي، عندما اعتبر أن الأمر لا يتعلق بمفرقعات بل بمواد شديدة الإنفجار مخزّنة في العنبر منذ سنوات.

ولكنّ الكشف عن هذه المعلومات لم يكشف كل الحقيقة.

في اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في قصر بعبدا ليلاً، ذكرت معلومات أنّ رئيس جهاز أمن الدولة اللواء طوني صليبا، قدّم تقريراً يذكر فيه أنّ 2750 طنّاً من كمّية “نيترات الأمونيوم” تمّت مُصادرتها عام 2014 من باخرة تحمل العلم المولدوفي، كانت تتّجه إلى الموزمبيق، وتعرّضت لعطل في هيكلها.

وأثناء تعويمها، عُثر على البضاعة وهي مواد شديدة الإنفجار، ونُقلت إلى العنبر الرقم 12، حيث تمّ تخزينها وحفظها إلى أن يبتّ بها القضاء، كونها بضاعة محجوزة”.

هذا التقرير كان قد قُدّم في 20 تموز الماضي، بعد الكشف الدوري على عنابر المرفأ، وقد تبيّن فيه أنّ العنبر يحتاج إلى صيانة، وإلى وضع قفل للباب المخلوع وإقفال بعض الفجوات التي يُمكن من خلالها الدخول والخروج بسهولة، وقد طلب الجهاز من إدارة مرفأ بيروت إجراء الإصلاحات اللازمة ووضع حراسة له.

قيل أن سبب الإنفجار يعود إلى القيام بأعمال تلحيم للباب، الأمر الذي أدّى إلى إحداث حريق امتدّ ليُفجّر كل ما في العنبر ويُحدث الزلزال الكبير. فهل هذا ما حصل بالفعل؟ هذا الأمر يحتاج إلى أن يتمّ تأكيده من خلال التحقيق، لأنّ من أعطى التعليمات بإجراء الصيانة يجب أن يكون موجوداً، ولأنّ من يُفترض أن تمّ تلزيمه هذا العمل، يجب أن يكون معروفاً، ولأنّ العمّال الذين كانوا يقومون بهذا العمل، ربّما كانوا أحياء، أو صاروا من “الشهداء”.

باخرة في مرفأ بيروت

عودة إلى القضية الأساس. ما هي قصة الباخرة التي نقلت هذه الكمية الهائلة من نيترات الأمونيوم؟ 2750 طنّاً ليست كمية يُمكن المرور عليها مرور الكرام والقفز من فوقها. تقول القصّة إنّه في أيلول 2013، كانت الباخرة “روسوس” (RHOSUS) التي ترفع علم مولدوفيا، تنقل هذا الكمّية من مرفأ باتومي في جورجيا على البحر الأسود إلى شركة في الموزمبيق. وفي مكان قريب من المياه الإقليمية اللبنانية، طرأ عليها عطل فنّي، فلجأت إلى مرفأ بيروت لإصلاحه، ولكنّها واجهت مشكلة أكبر من هذا العطل.

عندما فتّشت سلطة مرفأ بيروت السفينة، تبيّن لها وجود هذه الكمّيات من النيترات القابلة للإنفجار، فمنعتها مع طاقمها من المغادرة. وتُضيف المعلومات الصحافية أنّ أصحاب الباخرة عادوا وتخلّوا عنها وعن حمولتها وتركوها.

هذه رواية. أما في الرواية المنسوبة إلى تقرير جهاز أمن الدولة فتقول المعلومات ان الباخرة كانت مُحمّلة بكمّية 2750 طناً من “نيترات الأمونيوم”، وقد تمّت مُصادرتها عام 2014 وهي كانت تتّجه إلى الموزمبيق، “وتعرّضت لعطل في هيكلها. وأثناء تعويمها، عُثر على البضاعة وهي مواد شديدة الإنفجار، ونُقلت إلى العنبر الرقم 12 حيث تمّ تخزينها وحفظها، إلى أن يبتّ بها القضاء، كونها بضاعة محجوزة”.

ثمّة لغز يتعلّق بما حصل للباخرة والحمولة. وثمة أسئلة لا بدّ من أن تجد التحقيقات أجوبة عليها:

• هل كان العطل الذي أصاب الباخرة مُفتعلاً من أجل حرف مسارها نحو مرفأ بيروت؟

• هل كانت وُجهتها الموزمبيق فعلًا؟

• من هي الشركة التي كانت ستستلمها؟ ولماذا لم تُطالب بها إذا كانت العملية شرعية وكانت هذه وجهتها وهذه قصّتها؟

• من هم أصحاب الباخرة؟ لماذا تخلّوا عنها؟

• إذا كانت الباخرة مع طاقمها مُحتجزة بأمر قضائي، فلماذا سمح للطاقم ولها بالمغادرة؟ وهل غادروا بأمر قضائي؟ وما هي صحّة المعلومات التي تحدّثت عن توكيل مكتب محاماة لبناني طلب إخلاء سبيلهم، وعن دعاوى لحجز الباخرة وحمولتها؟

• لماذا تمّت مُصادرة الحمولة؟ ولماذا لم تُعط مثلاً لأصحاب الحقوق المُفترضين الذين طلبوا الحجز؟ وهل حصل ذلك بأمر قضائي؟ ومن طلب ذلك؟ وأي جهة قضائية أصدرت الأمر؟

• لماذا لم يتمّ إجبار الطاقم على المغادرة مع الباخرة والحمولة؟

• هل كان المطلوب أن تصل الحمولة إلى لبنان، وأن يتمّ وضعها في العنبر رقم 12، وأن تُغادر الباخرة بعده لتتوه في البحار؟

بين الجمارك والقضاء

الرواية لا تتوقّف عند هذا الحدّ، ولكنّها تستمرّ فصولاً. لماذا تّم الإحتفاظ بهذه الحمولة الخطيرة كلّ هذا الوقت؟ ومن كان يدفع كلفة التخزين طوال سبعة أعوام؟ مدير عام الجمارك بدري ضاهر كشف بعد الإنفجار عن أكثر من 8 كتب رسمية موجّهة منه ومن سلفه شفيق مرعي، إلى قاضي الأمور المستعجلة منذ 27 كانون الثاني 2014 حتى 28 كانون الأول 2017، يطلبان فيها تحديد مصير كمّيات نيترات الأمونيوم الموجودة في أحد عنابر مرفأ بيروت، والترخيص بإعادة تصديرها عبر مُطالبة الوكالة البحرية الخاصة بها بذلك، بعد جواب قيادة الجيش بأنها ليست بحاجة لها، وبعد عدم البتّ بالسماح ببيعها إلى الشركة اللبنانية للمتفّجرات. وقد تمّت الإشارة في هذه الكتب إلى خطورة هذه المواد في ظلّ ظروف غير ملائمة للتخزين ممّا قد يُعرّضها للإنفجار.

ثمّة أسئلة مُرتبطة بهذه الكتب:

• من هو قاضي الأمور المستعجلة الذي وُجّهت إليه هذه الكتب؟ ولماذا لم يتمّ البتّ بالمسألة، لجهة إخراج هذه المواد من العنبر رقم 12؟ وهل كان الأمر خارجاً عن سلطة القضاء؟

• من كان سيقوم بعملية البيع لو حصلت الموافقة عليها؟

• لماذا لم تتدخّل قيادة الجيش التي كشفت، كما ورد في الكتب، على المواد المذكورة لفرض عملية التخلّص منها، ودفع القضاء إلى اتّخاذ قرار بخلفية الخطر الذي يُمكن أن يتأتّى من سوء عملية التخزين، ومن ضخامة الكمية المخزّنة؟

• لماذا لم يخرج المديران العامان للجمارك، ضاهر ومرعي، إلى الإعلام، للتحذير من هذا الخطر ولماذا تمّ الإكتفاء بتوجيه الكتب التي لم يحصلا على أجوبة عليها؟

• من هي الجهة التي كانت مسؤولة عن سلامة التخزين كلّ هذه المدّة؟

• لماذا كان العنبر مُتاحاً للدخول والخروج، ومن دون حراسة؟ وبالتالي، من يضمن ألّا تكون حصلت عمليات نقل كمّيات من هذه المواد من دون أي رقابة؟

• هل كانت هناك “سلطة عليا” غير منظورة تحول دون اتّخاذ القرار؟ وهل الأمر يتعلّق بلغز وصول هذه المواد، وبالتالي تحوّله إلى لغز آخر يتعلّق بعدم البتّ بمسألة إخراجها من لبنان؟ بمعنى آخر، هل كان دخولها هو الهدف الأساسي ومنع خروجها الهدف الآخر؟

عبوة من دون صاعق؟

ثمّة لغز يتعلّق بانفجار هذه المواد. مشاهد كثيرة صوَّرت من زوايا مختلفة الإنفجارين، الأول الصغير والثاني الكبير. تقنياً يُمكن البناء على هذه المشاهدات لتكوين تصوّر أولي، يبقى بحاجة إلى تأكيد عبر جمع المعلومات، وعبر دراسات تقنية لكيفية حصول عملية الإنفجار.

هل كان نتيجة سوء التخزين واشتعال حريق محدود في البداية، أم نتيجة عملية خارجية نفّذتها طائرات أو مسيّرات إسرائيلية أو غير إسرائيلية؟ هذه المواد المُخزّنة في أكياس كبيرة، كما ظهر في بعض الصور، هل كانت لوحدها في المخزن، أم كانت هناك مواد أخرى؟ وما هي هذه المواد؟ ما هو العامل الذي يُمكن أن يؤدّي إلى انفجار كل هذه الكمّية في وقت واحد كعبوة واحدة لها صاعق واحد؟ 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم، هل يُمكن أن تنفجر بكبسة زرّ واحدة، كما حصل في عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري مثلًا؟

حتى إذا كان هناك مخزن ذخيرة مثلاً، فإن انفجار كل الذخائر في لحظة واحدة يحتاج إلى تقنيات عالية لا يُمكن أن تتوفّر من دون تدخّل بشري خبير في عمليات التفجير. يبقى السؤال اللغز: لماذا لم يسأل أصحاب البضاعة في الموزمبيق عن بضاعتهم كل هذه المدّة؟ من يتخلّى عن هذه الكمّية التي تُقدّر قيمتها بملايين الدولارات؟

ويبقى أنّ العنبر رقم 12 لم يكن إلّا الغطاء الذي أخفى الـ2750 طنّاً من “المتفجرات” التي أطاحته وأطاحت بمرفأ بيروت وببيروت؟

لم يعد للبنان ميناء خلاص. فهل يكون اللجوء إلى مجلس الأمن هو ميناء هذا الخلاص؟ وهل ثمّة شاطئ أمان بعد؟ وهل يكون هذا الزلزال الذي كاد يقتل لبنان مدخلاً لطريق خلاصه وقيامته؟