IMLebanon

السُلطة تصنع من الفُرصة «سَقطة»

 

ثلاثة أيام تفصلنا عن موعد انعقاد مؤتمر «سيدر» الذي تحوّل الى مادة تجاذبات خلافية. المؤيدون يعتبرون انه فرصة ذهبية لدعم الاقتصاد، والمنتقدون يصوّرونه على انه فخ اضافي يُنصب للبنان وسيؤدي الى تفاقم الأزمة المالية وتسريع موعد الانهيار.

لا نستطيع تقييم مؤتمر «سيدر»، من دون أن نضعه في اطاره الزمني، وفي ظروف انعقاده، وهوية من يرعاه، وسلوك من يتابعه محلياً، والنتائج المتوخاة منه. وهو مثل أي حدث، يمكن ان تنتج منه امور ايجابية وأمور سلبية. بالاضافة الى علامات الاستفهام التي قد تُطرح في شأنه.

في الايجابيات التي لا يمكن التنكّر لها، النقاط التالية:

اولا- انعقاد مؤتمر على هذا المستوى، وتولّي دولة صديقة مثل فرنسا مهمة تنظيمه والحشد له، والعمل مع الحكومة اللبنانية على ضمان «سلوك» رسمي يشجع الدول على تقديم المساعدة، هو في حد ذاته من الايجابيات التي يمكن البناء عليها للقول ان لبنان لا يزال موجودا على الخريطة العالمية.

ثانيا – ان مبدأ الحصول على قروض ميسرة، وعلى فترات سماح، وعلى مشورة تقنية لتنفيذ المشاريع، من الامور التي لا تتوفر لكل الدول التي تحتاج مثل هذا الدعم. وهي تشكل فرصة تستطيع ان تستفيد منها أي حكومة تُمنح مثل هذا الامتياز.

ثالثا- ان مبدأ الاستثمار في البنى التحتية، بهدف تشجيع الاستثمارات الداخلية والخارجية، وتحسين بيئة الاعمال، يعتبر من الخطوات الحكيمة التي تتبعها الدول الراغبة في تنمية اقتصادياتها.

في موازاة هذه الحقائق، هناك علامات استفهام لا يمكن إدراجها سوى في خانة السلبيات، أو على الأقل بعض التساؤلات المطروحة تتحول الى تراكمات خطيرة، من أهمها:

اولا- في موازاة ايجابية الاهتمام الدولي بمساعدة لبنان، على الاقل من خلال تحفيز حكومته على سلوك طريق الاصلاحات لتفادي الكارثة المالية، هناك تساؤلات اذا ما كان المحرّك الرئيسي للدول المهتمة، هو الحرص على تأمين مشاريع صالحة لتشغيل اكبر عدد ممكن من اليد العاملة السورية في لبنان، لضمان حد أدنى من مقومات العيش المقبول للنازح، لتشجيعه على البقاء في لبنان، ووقف محاولات الهجرة، خصوصا الى أوروبا. ومن هنا تبدو اعمال البنى التحتية المرتبطة بقطاع المقاولات من اهم الاعمال التي تستطيع ان تستوعب اليد العاملة السورية.

ثانيا – ان تمويل تأهيل البنى التحتية بقروض ميسرة امر ايجابي من حيث المبدأ، شرط ان يرتبط بدراسات الجدوى الاقتصادية، وسلم الاولويات. البنى التحتية المتطورة، لا تستطيع ان تحسّن مناخ الاعمال، وأن تجذب الاستثمارات، سيما منها الخارجية، اذا لم تواكبها اجراءات تكون بمثابة سلة متكاملة. بمعنى ان تأهيل الطرقات، على سبيل المثال، لا يعوّض غياب قوانين قضائية تسمح لصاحب الحق (المقصود هنا المستثمر) بتحصيل حقه بسرعة وعدالة.

الطريق عنصرٌ مُكمّل، لكنها لا تشكل في حد ذاتها عامل جذب استثمارياً. هناك حاجة الى سلة متكاملة، اذا لم تتوفر، تفقد البنى التحتية نسبة مرتفعة من قيمتها وقدرتها على تكبير حجم الاقتصاد.

بالاضافة الى ذلك هناك علامة استفهام حول كيفية اختيار المشاريع لطرحها والحصول على قروض لتمويلها. ومن باب الصدفة طبعا، أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب طرح مشروعا طموحا لتحديث البنى التحتية في بلاده، بكلفة 1500 مليار دولار تُنفق في غضون 10سنوات، وأن تكون الحكومة اللبنانية قد طرحت مشروعا شبيها كلفته 16 مليار دولار تُنفق أيضا في غضون عشر سنوات.

لكن الفارق بين الطرحين، بالاضافة الى اشكالية السلة المحفزة على الاستثمار، وهنا لا تستقيم المقارنة طبعاً، اننا لم نسمع ان ترامب طمأن منطقة أميركية معينة، تهمه انتخابيا، انها ستحظى بحصة كبيرة في المشاريع المقررة في الخطة العشرية، في حين اننا سمعنا هذا الكلام في لبنان.

وهذا يعني، ان الاولويات التي اعتمدت في اختيار المشاريع، أو بعضها على الأقل، مرتبطة، بشكل أو بآخر، بحسابات سياسية خاصة، لا علاقة لها بتحفيز الاستثمار وتنمية الاقتصاد.

يبقى ان توقيت المؤتمر قبل الانتخابات، وما يستتبعها من تغييرات في المجلس النيابي والحكومة، بالاضافة الى الشلل الذي قد يصيب البلد، في حال تأخر تشكيل الحكومة، كلها أمور تسمح بتبرير الانتقادات التي تتناول التوقيت تحديداً.

في الخلاصة، مؤتمر «سيدر» من حيث المفهوم العام والمبدأ، ليس حدثا سلبياً، وشيطنته تنطوي أحياناً على نيات خبيثة، أو قلة دراية في مفهوم الاقتراض لتنمية حجم الاقتصاد، لكن من حيث التفاصيل، ومن حيث الظروف المحيطة بانعقاده، هناك قلق مُبرّر من تحويل ما يُعتبر في عالم الاقتصاد فرصة، الى سقطة تسرّع موعد الوصول الى الهاوية