IMLebanon

سلطة بلا شعب وشعب بلا سلطة

 

عقدة الإصلاح في لبنان أشدّ من “عقدة غورديان” الأسطورية. ما يرويه التاريخ هو ان غورديوس ملك فريجيا أحكم شد عقدة لم يستطع أحد حلّها. حتى جاء الاسكندر المقدوني فقطعها بسيفه. وما نعانيه في الواقع هو أنّ أمراء الطوائف أحكموا شد عقدة الإصلاح وتباروا في حراستها مطمئنين الى ان أية قوة لن تستطيع تجاوز حراسها وحلّها. لكن الشبان والشابات الذين فجروا ثورة شعبية عابرة للطوائف والمناطق والأحزاب حلّوا العقدة وكسروا اقفال النظام المغلق. ولم يكن لدى السلطة المصدومة سوى الهرب الى الأمام عبر تقديم القليل من الإصلاح للحؤول دون الكثير منه.

 

ذلك أنّ “الشعوب لا تعرف التاريخ الذي تصنعه” وقت صناعته، كما قال كارل ماركس. لكن السلطة الخائفة على مصالحها تعرف خطورة صنع التاريخ لحظة صناعته.

 

فما ادركته، بعد غطرسة واستهتار، هو أن نزول نحو مليوني لبناني الى الساحات في كل المناطق نهاراً وليلاً وعلى مدى أيام يرسم معادلة جديدة: سلطة بلا شعب، وشعب بلا سلطة. هي خسرت الثقة وحتى الشرعية. وقوة الشعب التي كانت كامنة ومغيبة بسلاح العصبيات فتحت الطريق الى إعادة تكوين السلطة. ولا عودة الى الوراء.

 

وكالعادة جرى اللجوء الى الألعاب التقليدية. بدل استقالة الحكومة وتأليف حكومة مصغّرة منسجمة تمثّل قوة الشعب وتدير مرحلة انتقالية لإصلاح النظام نفسه، لا مجرّد آلته السلطوية، حدث العكس. الحكومة التي أكملت دفع لبنان الى هاوية سياسية واقتصادية ومالية عوّمت نفسها واقرّت سلسلة إصلاحات على الورق.

 

إصلاحات خائفين من الثورة، لا إصلاحات مؤمنين بالتغيير. فليس بين الإصلاحات ما لم يكن مطلوباً منذ سنوات، ومرفوضاً من التركيبة السياسية الحاكمة الى ما قبل أيام.

 

والحجة التي بدت القاسم المشترك بين المواقف الأميركية والأوروبية ورغبات “مرشد الجمهورية” وشركاء التسوية الرئاسية، باستثناء “القوات اللبنانية” التي استقال وزراؤها، انّ استقالة الحكومة تقود الى الانهيار. لكن استمرار هذه الحكومة وصفة مؤكّدة للانهيار. فالذين مارسوا السياسات الاقتصادية والمالية السيئة هم آخر من ينجح في إصلاحها.

 

والأخطر أمران: أولهما ألا تتمكّن ثورة الغاضبين من ترجمة الغضب الى سياسة وخريطة طريق لخطة مرحلية. وثانيهما أن يتمكّن أهل السلطة من تفشيل الثورة بالسعي لإعادة الشعب الى بيت الطاعة الحزبي والطائفي والمذهبي.

 

لكن الشعب الذي صنع التاريخ، بات يرى أهمية ما صنعه من خلال كونه حلماً للناس وكابوساً للسلطة. والتحدّي هو استمرار الثورة بعد الخروج من الساحات.