IMLebanon

بين الثريّا والثرى

 

قبل أربعة عقود قال أحد السفراء عن الرئيس كميل شمعون ما معناه: «قد تُفاجأ أن شمعون يواصل العمل السياسي بعد 48 ساعة من وفاته». لم يتقاعد الثمانيني الساحر ومات العام 1987 وزيراً أصيلاً للمالية. الفارق الجوهري بينه وبين سواه ممن تبوّؤوا مناصب عالية في أعمار متقدّمة، أن وجوده في صلب العمل الوطني لم يكن إرضاءً لنزوات سلطوية بل فعل إيمان بلبنان كما كانت تراه شريحة كبيرة من اللبنانيين. كان لاعباً ماهراً غير متلاعب بثوابت ومشاعر، لم تخنه الكلمات يوماً ولا فقد شيئاً من خاصية الصيّاد الماهر.

في زمن كميل شمعون، لم تُطرح مسألة السن وضرورة خضوع المسؤول لفحص أهلية، أكان نائباً أو وزيراً أو رئيساً، والمفارقة أن العماد ميشال عون طرح قضية السن كعائق أمام أي رئيس يوم ترشيح سليمان فرنجيه نفسه للرئاسة، بدعم سوري كامل في العام 1988، ونُقل عنه يومها قوله: «كيف يعني سليمان فرنجيه بدّو يرجع يعمل رئيس جمهورية. رئاسة الجمهورية منها مزحة أبداً. بدها شخص يكون قادر يشتغل 20 ساعة على 24 وسليمان فرنجيه عمره 80 سنة وما بيقدر يركّز أكتر من ساعة أو ساعتين بالنهار. بهالعمر ما بتعود تعرف أيمتى بيكون خرفان وأيمتى بيكون واعي. الرئاسة بدها حدا يكون شاب ومنتج»، ويقصد في الثالثة والخمسين وليس أقل!

في سن الواحدة والثمانين، نسي الجنرال ما قاله عن عوارض الثمانين وأقدم.

وتناهى إلى مسامعه في فترة ولايته «المبهرة» ما طرحه كثيرون همساً موضوع أهلية الرؤساء الجسدية والذهنية. سمع فخامته مثل هذا الكلام واعتبره موجهاً إلى الرئيس نبيه بري. تُرى ما العيب أن يحدد سنّ للتقاعد السياسي؟

ولماذا لم يتجرّأ أي نائب على تقديم مشروع تعديل دستوري يحصر الترشح للنيابة والرئاسة والتوزير بمن هم دون الرابعة والسبعين؟

ألا ترون أن ليس مستحباً أن يغفو الرئيس وهو واقف؟

أو أن يتلعثم في كل خطاب؟

أو أن تعلق قدمه في طرف السجادة و»يتدركب»؟

الختيار خميرة… لكن في البيت. والمسنّ بركة لعيلته الصغرى. ما يحصل في المشهد السياسي مختلف. فبدل أن يخرج الرئيس الطاعن في السن بهدوء ويخلد إلى الراحة بعد مسلسل إخفاقات طويل طويل، بدا أنه راغب بفصل جديد من الفوضى والمماحكة والسلبية والتحريض والتصعيد والتوتير والهذيان. من جديد… نعيد.

وحتماً راودت الرئيس وهو في الطريق من بعبدا إلى الرابية فكرة التحضير لانتخابات كسروان 2026، وقد يخوضها معركة حياة أو موت في وجه شوقي الدكاش ومنصور البون.

الرئيس شمعون مارس السياسة بنبل، 48 ساعة بعد وفاته، والجنرال سيواصل توزيع الأوسمة، 72 ساعة بعد الوفاة. وين وصلنا؟ عند كلودين.