IMLebanon

لماذا فشلت وساطة أمير قطر وما قصة “القمـصان السود”… ولماذا لم يتّصل الأسد؟

 

الرئيس ميشال سليمان ومحطّات في القيادة والرئاسة والعلاقة مع “حزب الله” (7 من 7+1)

 

تتابع الأوساط التي رافقت الرئيس ميشال سليمان رواية بعض المحطات التي تخلّلت ولايته الرئاسية. في هذه الحلقة تتمة لمحاولة الوساطة التي تولّاها أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني لإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري ورفض «”حزب الله”» لها، وإضاءة على قصة “«القمصان السود”» وتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، وعلى قضية انتظار الرئيس اتصالاً لم يأتِ من الرئيس السوري بشار الأسد لتوضيح علاقة نظامه بتوقيف ميشال سماحة.

 

بناء على الإتصال الذي جرى بين الرئيس سليمان وأمير قطر الشيح حمد بن خلفية آل ثاني وصل إلى قصر بعبدا في 18 كانون الثاني 2011 الساعة الرابعة بعد الظهر رئيس الحكومة القطرية ووزير الخارجية حمد بن جاسم ووزير الخارجية التركي داوود أوغلو حيث استقبلهما الرئيس.

 

قالا إنّهما آتيان في مسعى لإعادة تسمية الرئيس سعد الحريري. وكان هناك اعتقاد بحسب معلوماتهما بأنّه لن يحصل على الأكثرية ولذلك أجّل سليمان الإستشارات إلى 24 و25 كانون الثاني لإفساح المجال أمام هذه الوساطة لحصول توافق على المرشّح إذا لم يكن هناك فرصة لأكثرية موصوفة. قال سليمان للموفدَين القطري والتركي إنّه موافق على الفكرة. وقالا له بأنّهما سيزوران السيد حسن نصرالله لهذه الغاية. وإذا نجحا في هذه المهمة فستكون هناك دعوة لمؤتمر حوار من أجل لبنان في فرنسا.

 

قال لهما سليمان: «ولماذا في فرنسا؟». قالا: «وهل عندك مشكلة مع الفرنسيين؟». أجاب: «كلا ولكن اليوم هناك رئيس جمهورية في لبنان». قالا إنّهما اقترحا فرنسا لأنّها كان لها دور في تسوية الدوحة. ردّ إنّه إذا اقتضى الأمر ينعقد المؤتمر في لبنان. قالا إنّ الإتفاق تمّ بأن ينعقد في فرنسا. قال «لا توجد مشكلة يتمّ عقد اجتماع أولي في القصر الجمهوري في لبنان وبعد ذلك يمكن الإنتقال إلى فرنسا». قبل أن يذهبا للمباشرة في مسعاهما سألاه أين سيكون في هذا اليوم؟ قال إنه باقٍ في القصر. قالا إنّهما سيذهبان وسيعودان. انتظرهما ولكنهما لم يعودا. عرف أن المسعى فشل.

 

صباح اليوم التالي اتصل بالأمير حمد وأخبره أنهما لم يعودا. قال له الأمير «ما مشي الحال لم يقبل حسن نصرالله». قال له الرئيس: «شو بدنا نعمل؟». سأله الأمير إذا عيّن موعداً جديداً للإستشارات. قال له سليمان إنّ عليه أن يعيِّن ولا يمكن أن يترك المهلة مفتوحة. «لازم عيِّن. ولكن ممكن التأجيل إذا كان في شي ممكن ينعمل. بدنا نشوف الرئيس سعد الحريري شو بدّو يعمل. إذا رح يقبل لأنّو بيعتبر التأجيل في غير مصلحته». قال الأمير: «أنا بحكيه». حكاه وقال له الحريري: «انا خلص ما بدّي. خلّيها تصير الإستشارات ومتل ما بتطلع النتيجة أقبل بها»، وقد علم سليمان عبر اتصال بالأسد مباشرة بعد مغادرة وفد الوساطة مكتبه باتجاه الضاحية أن الرئيس الأسد أبلغ الأمير حمد وأردوغان أنه لا جدوى من الوساطة.

 

حتى لا يخربط «حزب الله» البلد

 

كان يهمّ الرئيس سليمان أن يعود سعد الحريري رئيساً للحكومة لأنّه أُسقِط من دون حقّ ولم يُعطَ الفرصة لتنفيذ برنامجه رغم أن 14 آذار كانت تملك الأكثرية النيابية. وكان ظهر أنّ وليد جنبلاط سيخرج إلى المنطقة الوسطى، ولم يكن قد ظهر بعد أنّهم سيُسمّون نجيب ميقاتي. كان خيارهم أولاً عمر كرامي قبل أن يظهر مع السيد حسن نصرالله أنّ صحّته لا تسمح له بتحمّل أعباء رئاسة الحكومة. في تفسير لموقف جنبلاط، الذي كان ينسّق مع الرئيس ميشال سليمان، أنّه لم يكن ضدّ سعد الحريري ولكنّه كان يعتبر أنّ إعادة تسميته قد تدفع «حزب الله» إلى خربطة البلد. قصّة «القمصان السود» أُعطيت حجماً أكبر من حجمها الحقيقي . كان محور الممانعة رافضاً عودة الحريري بعدما أسقطوه. السيد حسن نصرالله قال إنه لا يقبل به الآن ولا لاحقاً. هذا الموقف يفسِّر ما كان صرّح به العماد عون إنّه تمّ قطع «وان واي تيكت» للحريري، روحة بلا رجعة. ماذا كان يعني ذلك؟ لم يقبلوا بعودته إلى رئاسة الحكومة إلّا بعد تفاهمه مع العماد عون والوزير جبران باسيل بعد التسوية الرئاسية عام 2016.

 

اضطرّ الحريري بعد هذا الإنقلاب إلى الإقامة في المملكة العربية السعودية بحجّة أنّه تعرّض لتهديد أمني ولمحاولة اغتيال. الرئيس سليمان كان يريد عودته لأنّه كان يعتبر أنّه يمثّل الثقل السني ويساعد على النمو الإقتصادي بما تبقّى له من رصيد والده وبما كان لا يزال يتمتّع به من ثقة الدول العربية، ولم يكن هذا الأمر ردّاً على طرح اسم نجيب ميقاتي الذي يحوز على ثقة الرئيس سليمان بكفاءته ووطنيته وقدرته، بل لأنّه لم يكن قد تمّ طرحه بعد خلال الوساطة القطرية التركية. ظهر اسم ميقاتي بشكل جدّي قبل جولة الإستشارات في 24 كانون الثاني بعد انهيار المسعى القطري التركي.

 

حكومة ميقاتي والحرب في سوريا

 

إسقاط حكومة سعد الحريري لم يكن انقلاباً على الحريري فقط بل على التسوية التي حصلت في الدوحة التي نصّت على أن يكون الرئيس فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة وعلى أن يكون للممانعة الثلث المعطل فقط في هذه الحكومة ولكن من دون استخدامه لإسقاط الحكومة، وعلى أن تكون لنتائج الانتخابات النيابية الكلمة الفصل في الحكومات التي تليها وفقاً لنص الدستور والممارسة الديمقراطية. انتُخب ميشال سليمان بما يشبه الإجماع الداخلي والدولي وحضور جلسة الانتخاب بعد الذي حصل في عملية 7 أيار القبيحة التي شنّت ضد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ولكن بعد انتخابه لم يتم وضع فيتو على السنيورة فتمّ القبول به رئيساً لحكومة العهد الأولى وفق ما تمّ الإتفاق عليه في الدوحة لناحية تركيبتها. لماذا قبلوا به؟ كان الإتفاق أن يبقى فبقي.

 

تزامن تكليف ميقاتي مع بدء الأحداث الدامية في سوريا التي أدى تطوّرها إلى تورّط «حزب الله» في الحرب وإلى تأخير تشكيل الحكومة. بين التكليف والتأليف تبدّلت المعطيات. «حزب الله» دخل في هذه الحرب علناً. لم يُخفِ هذا الأمر وإن كانت تدرّجت عملية دخوله. كان رئيس الجمهورية يرسل لهم النصائح «ماذا تريدون من هذه الحرب اطلعوا منها أحسن لكم. لماذا ترسلون أبناءكم ليُقتَلوا هناك؟ خلّونا ما ننقل الحرب من سوريا إلى لبنان». «إعلان بعبدا» في 11 حزيران 2012 كان لوقف هذا التورّط من بدايته إن كان من جانب «حزب الله» أو من جانب بعض القوى السنية التي دعمت المعارضة السورية وقُتِل عدد من شبابها في بعض المعارك وأبرزها تلّ كلخ. كانت محاولة لمنع تورّط اللبنانيين في الحرب السورية. إذا كان اتفاق الطائف أوقف حروب الآخرين في لبنان فإنّ «إعلان بعبدا» كان لوقف تقاتل اللبنانيين في الخارج أو بسبب الخارج.

 

كانوا يذهبون بعلم الجيش وبتسهيل منه؟

 

كانت لهم معابر خاصة. لا يزالون يستعملونها للتنقّل بين لبنان وسوريا ونقل الأسلحة وكان التبرير الظاهر أنّهم يقومون بحماية المواطنين اللبنانيين في البلدات المتداخلة مع الاراضي السورية. صار هناك عملية تقديس للمقاومة بطريقة خاطئة. صارت معهم هذه المقاومة إقليمية. في خطاب القسم قال رئيس الجمهورية ميشال سليمان إنّه لحفظ إنجازات المقاومة يجب أن تكون هناك استراتيجية دفاعية تغني «حزب الله» عن الدخول في الزواريب السياسية. ولكنهم كانوا يريدون ذلك ولم يقبلوا نداءه.

 

هل كان تشكيل حكومة ميقاتي بمثابة انقلاب على العهد؟

 

لم يشعر سليمان بأنّه انقلاب. تصرف ميقاتي بطريقة إيجابية مع العهد. ولم تكن هناك لدى العهد ملاحظات عليه. عرف سليمان ميقاتي عندما صار رئيساً للحكومة في العام 2005 وكان قائداً للجيش. طلب منه تسهيل نشر الجيش في طرابلس بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان . قال له ميقاتي «هذا أمر ضروري ولكن أعطني مهلة أسابيع». بعد أسبوعين أو ثلاثة طلب ميقاتي أن يتمّ نشر الجيش من دون ضجّة. وهكذا حصل.

 

ميقاتي يريد أن يستقيل

 

عندما بدأت الأحداث في سوريا بدأ النزوح السوري إلى لبنان وبدأت تصدر في الأمم المتحدة قرارات ضد النظام السوري وكان هناك محاولة لإبعاد لبنان عن هذا الصراع. كان موقف ميقاتي قريباً من موقف سليمان. عندما حان موعد الإنتخابات النيابية عام 2013 كان يجب تشكيل هيئة الإشراف على هذه الإنتخابات. حصلت معارضة لدى قوى 8 آذار للقانون القائم مع أنهم وافقوا عليه في الدوحة ولكنهم شعروا أنه أصبح في مصلحة قوى 14 آذار. كان رأي سليمان أنّ تعيين الهيئة هو إلزامي وعدم تعيينها مخالف للقانون وإذا كانت هناك نيّة لتعديله فلا يحول تشكيل اللجنة دون ذلك. طرح ميقاتي تعيين الهيئة على جدول أعمال مجلس الوزراء وتمّ إدراج الأسماء للموافقة عليها. رفضوا المناقشة لأنهم ضد الهيئة سياسياً وهذه هرطقة دستورية وقانونية. طلب رئيس الجمهورية تلاوة الاسماء والتصويت عليها فسقطت بالتصويت لأنهم كان معهم الأكثرية في الحكومة والموافقة تتطلّب الثلثين.

 

رفع سليمان الجلسة بعدما طلب من ميقاتي أن يتمّ وضع هذا البند على رأس جدول الأعمال في كل جلسة من الجلسات المقبلة معرباً عن نيته أنّه سيترأّس كل الجلسات وإذا لم يناقَش هذا البند سيَرفع الجلسة فوراً. في حينه كانت 8 آذار تطالب بتغيير مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي فرفض ميقاتي وأيّده سليمان في ذلك. استطاع تمرير مسألة تمويل المحكمة الدولية من دون ضجة. عندما تمّ طرح موضوع اللواء ريفي زار ميقاتي الرئيس سليمان وأبلغه: «فخامة الرئيس أنا وإياك متفاهمين ولكن ما بقدر كفّي هيك. بدي أستقيل». وافق سليمان لأنّ حكومة لا تنفِّذ أهم قانون في الدولة، وهو قانون الانتخاب، لا يجوز أن تستمرّ وأُطلق على هذه الاستقالة شعار لا «أشرف ولا إشراف». حاول ميقاتي أن يستقيل قبل ذلك وأقنعه الرئيس بالعدول. ولكن هذه المرة كان مصرّاً على الإستقالة فاستقال وكُلِّف بتصريف الأعمال وسمّي تمّام سلام لتشكيل حكومة جديدة. ولكن الحكومة وجدت نفسها مرغمة على الاجتماع بصورة استثنائية لتعيين هيئة الاشراف لتدارك مسؤولية مخالفة القانون، والذين عارضوا سابقاً ادركوا خطأهم مرغمين.

 

سماحة كان ينقل متفجرات لا حلويات

 

ولكن قبل ذلك كان تم توقيف الوزير السابق ميشال سماحة متلبساً بنقل متفجرات من سوريا إلى لبنان. بعد 48 ساعة من التحقيق معه وإبلاغ النائب العام بالمحضر زار اللواء أشرف ريفي ورئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن الرئيس سليمان في المقر الصيفي في بيت الدين ووضعاه في أجواء المعلومات التي أدّت إلى توقيفه بسبب نقله متفجّرات من سوريا إلى لبنان للقيام بعمليات تفجير بعلم اللواء علي المملوك وقيادته. كان اللقاء يهدف الى إطلاع رئيس الدولة على المخاطر الكامنة ولأنّ المخالفة تمسّ بالأمن القومي وليس ليتدخّل الرئيس في القضاء ومن دون أن يكون مُدرجاً على جدول مواعيد ذلك النهار. ولكن بعدما صدر القرار القضائي بتوقيف سماحة تمّ توزيع صورة عن اللقاء مع الخبر.

 

يوم الأربعاء 18 تموز 2012 كانت حصلت في سوريا عملية اغتيال صهر الرئيس السوري ونائب وزير الدفاع العماد آصف شوكت ووزير الدفاع العماد داوود راجحة في التفجير الانتحاري الذي استهدف مبنى الأمن القومي في وسط دمشق. اتصل الرئيس سليمان بنظيره السوري معزّيا فلاقى هذا الإتصال استحساناً لديه وسأل الرئيس اللبناني إذا كان يمكن نشر خبر الإتصال في الإعلام، فلم يمانع سليمان الذي استنكر العملية وذكر ذلك في بيان جلسة مجلس الوزراء التي كان مقرّراً عقدها في ذلك النهار برئاسة سليمان.

 

في 9 آب تم توقيف ميشال سماحة بناء على قرار قضائي صادر عن المحامي العام التمييزي القاضي سمير حمود. كان رئيس الجمهورية ميشال سليمان يستقبل وفداً إعلامياً بناءً على موعد مسبق برئاسة الدكتور عامر مشموشي كما جرت العادة سنوياً. لدى انتهاء اللقاء المطوّل واثناء مغادرة الوفد مكتب سليمان سأل أحد الصحافيين الرئيس عمّا إذا حكى مع الرئيس الأسد حول موضوع توقيف سماحة. لم يكن سليمان ينتظر هذا السؤال ولكنّه أجاب بأنّه لم يتّصل بل ينتظر بصورة أكيدة أن يتّصل به الأسد لتوضيح ما حصل أو حتى لنفي علاقة الحكومة السورية بالموضوع كما يحصل عادة بين رئيسين صديقين وكان لم يمضِ 20 يوماً على اتصال سليمان بالأسد للتعزية بالقادة الأمنيين وقبلها لإبداء عتبه على مذكرات الجلب التي صدرت من القضاء السوري بحق عشرات المسؤولين اللبنانيين، من بينهم سعد الحريري، وحيث أجاب عندها الأسد «اعتبرها غير موجودة».

 

ولكنّ الأسد لم يتّصل و»كأنّو ما صار شي والعملية لم تحصل». سئل مجدّداً: «بعدك ناطر اتصال؟». قال «أكيد ناطر». اعتُبِر هذا الكلام بمثابة جريمة ارتكبها رئيس الجمهورية اللبنانية لأنه تجرّأ وقال إنه ينتظر اتصالاً من الأسد. وكأنّ سماحة كان ينقل معه حلويات قمر الدين وليس متفجرات. وعادة في هكذا مواضيع يستدعي رئيس الجمهورية سفير الدولة الأخرى ويحمّله رسالة استياء لينقلها لرئيس دولته كما حصل لدى استدعاء سفير ايران عندما صرّح مسؤول إيراني أن الحرس الثوري أصبح على 4 جبهات مع إسرائيل وإحداها لبنان. لكنّ سليمان لم يستدعِ السفير السوري اعتباراً للصداقة الأخوية مع سوريا ورئيسها، ورغم أن ّسليمان عمل على إقرار تبادل التمثيل الدبلوماسي بين لبنان وسوريا في بداية عهده بعد 65 سنة من استقلال البلدين فقد فضّل تبادل التوضيحات مع الرئيس الاسد.

 

يتبع السبت 18 شباط

 

متى قال سليمان لـ»حزب الله»

لا تتدخّلوا في سوريا؟

ما علاقة الثلاثية الخشبية

بالصواريخ على القصر؟

كيف تشكّلت حكومة سلام

وماذا طلب الخليلان؟