IMLebanon

الرئيس الجديد ومصير الجمهوريّة: ملحقة بـ”حزب الله” أم سيّدة مستقلّة؟

 

 

 

يكثر الكلام في هذه الأيّام حول الصفات الّتي ينبغي ان يتحلى بها رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة الجديد، وحول المهمّات الّتي ينبغي ان يقوم بها، وحول المواقف الّتي ينبغي ان يتخذها من مجمل القوى المتواجدة على الساحة اللبنانيّة. كذلك قوى الإقليم والقوى الدوليّة الفاعلة المعنيّة بالقضيّة اللبنانيّة. وليس من المبالغة القول بأن الرئيس الجديد للجمهوريّة اللبنانيّة سيواجه أقسى وأصعب تجربة في تاريخ الجمهوريّة، ذلك ان الظروف والأوضاع الّتي تحيط بها هي في كثير منها، ظروف وأوضاع مصيريّة. وسيكون لخياراته الاستراتيجيّة تأثير بارز وحاسم على مجمل الوضعيّة الدّولاتيّة للبنان ككيان ودولة ومصير.

 

فما هي خياراته المحتملة؟

 

وما هي النتائج المترتّبة على مثل هذه الخيارات؟

 

** **

 

1- أوّل هذه الخيارات هو الاستمرار في حال الضعف والفقر والمعاناة الّتي ترزح تحتها الجمهوريّة: بكيانها وجمهورها ونظامها ومؤسّساتها السياسيّة والماليّة والاقتصاديّة وجماعاتها العائليّة والاجتماعيّة والوطنيّة، ومكوّناتها السياسيّة الحزبيّة السلطويّة، والعامل الجامع بينها هو الفساد الذي يتحوّل مع الوقت الى نظام حياة تغيب عنه كل يوم معاني القيَم الاخلاقيّة والانسانيّة.

 

2- ثاني هذه الخيارات هو السعي لإدخال بعض التعديلات على النظام القائم. وهذه التعديلات هي بطبيعتها إما تعديلات شكليّة أو انها تعديلات جوهريّة. فالتعديلات الشكليّة تتناول الشكل دون الجوهر وتسعى لتجميل الأوضاع دونما الذهاب الى عمق الموضوعات والقضايا، اما بشكل متعمّد، أو بفعل عدم القدرة على تحقيق تغيير جذري في المنظومة القائمة. وفي الحالتين يكون دور الرئيس شكلياً وثانوياً ويبقى مصير البلاد رهينة بيد المتحكّمين بها والمشرفين عليها.

 

3- ثالث هذه الخيارت هو الانطلاق من نظرية انقلابيّة مؤداها إحداث انقلاب في الوضعيّة القائمة وعليها. وهو انقلاب تشارك فيه قوى الأمَّة: السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة. ومع أن هذا الطرح جيّد نظرياً، إلاّ أنه صعب عملياً، لماذا؟

 

• لأنّه يفتقر الى فلسفة انقلابيّة قائمة على عقيدة معيّنة تشرحه وتبرّره وتبرز مدى أهميّته في تحقيق مستقبل الأمّة.

 

• لأنه يفتقر الى اجتماع القوى وتعاونها والتزامها بتحقيق أهدافه وذلك لإيمانها بصحته وفعاليته خدمةً لأبناء الشعب كافة.

 

• لأنّه يعتمد أسلوب العواطف الانشائيّة التي تثير العواطف ولكنّها لا تقنع العقل. نحن في ازاء تمرّد ولسنا في ازاء ثورة.

 

• لأنّه لا يحمل رؤية جديدة إيجابيّة ومبتكرة للحياة الانسانيّة، ولذا يتعثّر نجاحه في كسب قلوب الناس وبالتالي في فرض نفسه على الواقع القائم رغم هشاشته وبؤسه!

 

4- رابع هذه الخيارات يستند الى استراتيجيّة وطنيّة لبنانيّة متكاملة تأخذ الواقع بعين الاعتبار وتسعى ليس فقط الى تعديله بل الى تغييره بشكل جذري وشامل على مختلف المجالات والمؤسسات والفلسفات بأبعادها الورائية والماورائيّة أيضاً. هذا يفترض مواجهة كافة الصعوبات والمشاكل التي تعاني منها الوضعيّة اللبنانيّة في مقدمها دور «حزب الله».

 

فليس من الممكن أو المنطقي أن تدرس القضية اللبنانيّة في مشاكلها وصعوباتها من دون العودة الى موقع «حزب الله» ودوره في خلق هذه المشاكل والصعوبات. وسيكون على رئيس الجمهوريّة الجديد الوطني والمستقل والسيادي ان يسرع في طرح واختيار الحلول المؤديّة الى رفع يد «حزب الله» عن الدولة اللبنانية. ذلك أنّه من دون تحقيق هذا الهدف، تبقى كل أعمال الرئيس وانجازاته حبراً على ورق، لأنّ قاعدته الأساسية التي هي الدولة اللبنانيّة ستبقى مخطوفة منه ومسجونة بيد «حزب الله». وما لم يحرّرها لن يستطيع ان يفعل شيئاً!

 

5- خامس هذه الخيارات هي المتعلقة بأسلوب التعامل مع «حزب الله»، وفي هذا المجال تطرح الاحتمالات التاليّة:

 

• إمّا ان يبقى «حزب الله» متمسكاً بدوره وسلاحه كما هو الآن.

 

• وإمّا ان يتم اقناع الحزب بأن يتحوّل، كما اقترح الأمين العام السابق لهيئة الأمم المتحدة السيد كوفي أنان: «تحوّل حزب الله الى حزب سياسي هو المفتاح لإستعادة لبنان سيادته واستقلاله» فهل من الممكن اقناع «حزب الله» بأن يتحوّل الى حزب سياسي وليس الى حزب عسكري!

 

• على ان مهمّة كهذه تبدو، بل هي مستحيلة حقاً. لأنّ سلاح «حزب الله» هو جزء أساسي من دوره ومهمته في المنطقة التي انتدبته لها الثورة الايرانيّة:

 

– إن بالنسبة لدوره في القضية الفلسطينيّة.

 

– أم لدوره في مصير المشرق العربي.

 

– وفي كلتا الحالتين هو يعبِّر عن دور إيران بمركّب نقصها الأقلّوي الاسلامي الشيعي الذي لا يمثّل سوى 15% من مسلمي العالم.

 

• إذن السلاح هو عامل أساسي في تقرير مصير «حزب الله» ودوره وبالتالي لا يمكن التخلي عنه!!

 

6- يبقى الخيار السادس والمتعلق بـ»حزب الله» أيضاً. فلقد كرر غبطة البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي في أكثر من مناسبة ضرورة عقد مؤتمر دولي لمعالجة القضية اللبنانية. وسيكون من المفيد التركيز حول أهداف هذا المؤتمر، بل هدفه الأساسي وهو قيام الأمم المتحدة بتطبيق القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والخاص بلبنان، وهو الداعي الى تجريد كافة الميليشيات اللبنانيّة وغير اللبنانيّة من سلاحها بما فيها «حزب الله».

 

قد يكون في ذلك أرقى ما يستطيع رئيس لبناني القيام به.

 

لأنه بمثل هذا العمل،

 

«يستعيد لبنان سيادته واستقلاله»

 

وهذا ما يريده ويتمناه اللبنانيّون!

 

ويكون لدينا حزب نحترمه ككل الأحزاب اللبنانيّة.

 

لأنه سيكون حزباً في خدمة الجمهوريّة،

 

وليس حزباً فوق الجمهوريّة!

 

(*)باحث في الفكر الجيو سياسي