IMLebanon

تفخيخ المعركة الرئاسية

 

«لكل عرس قرص» ولكل استحقاق في لبنان فخ، ولكل فخ حاضن، وكما نُصبت الأفخاخ لثورة تشرين 2019، من أجل تحويلها عن المسار الطبيعي الذي انفجرت لأجله، نُصبت أيضاً أفخاخ للإنتخابات النيابية 2022، من أجل تمييع نتائجها. فالعقل المُفخِّخ لمحاولات إعادة السيادة وبناء مؤسسات الدولة يُحاول مجدّداً تفخيخ الإنتخابات الرئاسية بأفكارٍ وطروحاتٍ تؤدّي الى ضرب المواصفات الضرورية للشخصية التي ستتولى الموقع الاول في الدولة والضامن الأساسي للكيان اللبناني. في كل مرّةٍ ينتفض فيها الشعب اللبناني ضد الحكم الشاذّ، أكان يُمثّل وجوداً وتدخّلاً خارجياً أو كان سيطرةً خارجية بأدواتٍ داخلية، هناك من يتبرّع من الطامعين الفارغين الداخليين لتقديم يد العون للجهات الخارجية المُفخّخة لهذه المحاولات الوطنية التحرّرية، وهذه المرّة تمتطي المؤامرة منطقاً استسلامياً بشعارٍ أبوي وهو الحفاظ على السلم الأهلي، في حين أن الهدف الحقيقي لهؤلاء هو الحفاظ على المصالح الخاصة والمحاصصات والزبائنية.

 

يتسلّلون اليوم من خلال طروحات مخادعة تأخذ الملفّات المعيشية حجةً والحرص على مصالح الناس واجهةً لها، علماً ان المنطق هذا هو ذاته الذي سهّل مرور المؤامرات ضد معركة السيادة في زمن التوازن بين حركتي 8 و 14 آذار والتي أودت بالشعب اللبناني الى المعاناة والإنهيارات التي يعيشها حالياً. يعودون الآن لتبنّي المنهجية ذاتها التي سادت في تسعينات القرن الماضي، وقد تظلّلت حينها بمشروع إعماري طَموح وبحاجة الدول النافذة لتسوياتٍ اقليمية، ودُعمت بقدراتٍ مالية واستثمارية ندُرَ تأمينها لبلدٍ في هذا العصر. كل تلك الطاقات والمُقدّرات ذهبت هدراً ولم تُؤت استقراراً لا سياسياً ولا اجتماعياً، فتلاشت المزاعم والقرائن والأموال والطموحات فور بدْءِ الدويلة بسياسات العرقلة المُفتعلة التي استكملتها بتهديداتٍ مباشرة سبقت ضربات الإغتيالات المؤلمة والمدمّرة واتبعتها بخطواتٍ تعطيلية وتفجيرية وحروبٍ تخدم مرجعياتها الاقليمية وتُدعّم حساباتها التفاوضية. وأسرِد حديثاً قصيراً جرى في بدايات التسعينات بيني وبين أحد المتحمّسين والضالعين في ذلك الوقت في ذلك المشروع الإعماري الضخم المُراهن على عودة السيادة والقرار الوطني الحرّ من الباب الاقتصادي، فأبديت رأيي المعاكس والمستند الى قناعتي بأن الفشل هو مصير اي محاولةٍ لعودة انتظام لبنان الا من الباب السياسي السيادي، وقلت له «لح يحلبوكن ويكبّوكن»، وقد فاجأني هذا المسؤول المقرّب جداً حينها من رجل الاقتصاد والاعمار والنظرة الاستثمارية الثاقبة والقدرات الضخمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبعد ساعات ٍ قليلة من جريمة اغتياله باتّصالٍ بي ليقول انّ ما قلته له منذ اكثر من 10 سنوات يطنّ في اذنه واضاف «نعم حلبونا وكبونا ويا ريتن كبونا من دون ما يقتلونا»، وغادر لبنان من حينها.

 

يعتبرون ان سياسات «القوات اللبنانية» تفتقد للواقعية السياسية ويُروّجون بأن دعواتها للتكتل حول مشروع المواجهة السياسية ضد «حزب الله» تدفع بالبلاد الى حافة التفجير الداخلي، هادفين من خلال تسويق هذا المنطق الى تسهيل التسويق لعقلهم الذمّي. فحرصهم على مصالحهم الخاصة وعلى إمكانية اعادة تركيب تسويات الفساد مع الدويلة يسمح لهم بتناسي المصلحة الوطنية التاريخية، غير عابئين بأن المعادلات نفسها قد ادّت سابقاً الى سلسلة اغتيالات والى مشروع شلل والى الدمار والانهيارات الاجتماعية.

 

من غير المُستغرب تموضع الكتل والأحزاب المدينة لـ»حزب الله» بالنفوذ والمواقع السلطوية خلف مرشّح مشروع محوره الاقليمي، ومن غير المُستغرب بالمقابل تموضع كتل القوات والكتائب والسياديين خلف مرشّح مشروع المواجهة مع مشروع محور الممانعة والتعتير والتخلّف، ومن غير المُستغرب ايضاً تموضع بعض النواب التقليديين خلف حساباتهم الخاصة واستمرارية بيوتاتهم السياسية، بل المُستغرب تحديداً استعداد بعض النواب الجُدد الذين حازوا مواقعهم في الندوة النيابية لترجمة المطالبات التغييرية، للقبول بمنطق أنصاف الحلول، او تبنّي مرشّحين غير واقعيين وغير قادرين على تأمين التوازن مع المشروع الآخر، مما يضرب إمكانية التلاقي والتعاضد بين الأفرقاء المعارضين لـ»حزب الله»، فينتج عن هذا الواقع وصول مرشّح مشروع محور «حزب الله» الى الرئاسة، إمّا بفعل العددية والأغلبية أو بالدفع لتسويات تُؤدّي الى مرشّح رئاسة التسوية الذي سيخضع لاحقاً للإملاءات الحزبلاوية.

 

ان التنازلات التي قدّمها افرقاء 14 آذار سابقاً اودت بالبلاد الى فشلٍ والى هدرٍ لآمال الشعب اللبناني الذي كلّفهم بعد انجازه ثورة الارز المجيدة بمهمة تحرير القرار اللبناني من الحسابات الاقليمية. المُستغرب ان يُضحّي هؤلاء بالنيات الصافية للقوى الشعبية التي راهنت عليهم لنقلها من واقعها الأليم الذي لم يعد يُطاق الى واقع طبيعي وسليم، ومن الممكن تحقيقه بمجرّد العمل على التفاهم بين كافة الأفرقاء المستعدّة للمضي عملياً ببناء دولة المؤسسات المُحرّرة أولاً من هيمنة وطغيان محور الممانعة والفقر والتخلّف. من الخطأ التاريخي ان يتموضع هؤلاء في المكان المناسب والمسهّل لنصب الأفخاخ للحركة الواعدة التي تتحضّر لإيصال رئيس جمهورية فعلي يُشكّل بقناعاته وأدائه السد المنيع بوجه المشاريع الالغائية للهوية اللبنانية والخاصّية اللبنانية، فيقوم بتفجير الافخاخ المنصوبة امامه لاعادة بناء السيادة اللبنانية ولاعادة انتظام الحياة السياسية والمؤسسات الرسمية والخاصة واعادة الثقة الداخلية والخارجية للدولة اللبنانية.

 

من المُستغرب والمُستهجن والمشكوك بنياته ان يتولّى هؤلاء المنشقّون عن آمال الناس مهمة تسهيل المؤامرة، أكان ذلك عن جهل أو عن خبث، فهم جاؤوا بوعود التغيير، فهل يتساوون بهؤلاء الذين سبقوهم الى ذات الشعار «التغيير» واصبحوا هم بحاجة للتغيير، أيُصبح هذا الشعار دائماً الخدعة التي تقتل روح التغيير الحقيقي نحو التحرير.