IMLebanon

مواصفات الرئيس العتيد

 

 

كلّما اقتربنا من نهاية هذا العهد ازداد الحديث عن الانتخابات الرئاسيّة التي على ما يبدو أنّها باتت حتميّة. والمعطيات كلّها تشير إلى أنّ الفراغ منبوذ من قبل كلّ الفاعلين بالموضوع الرئاسي. والاحتمال الوحيد الذي يضرب هذا المومنتم هو افتعال فوضى أمنيّة لا يُعرَف أين قد تخلص نتائجها. وعلى وقع هذه التطوّرات كثر الحديث عن هويّة الرئيس الذي سيشغل قصر بعبدا بعد الرئيس عون. وماذا بعد الرئاسة؟ هل يعود فخامة الرئيس عون إلى رئاسة تيّاره السياسي ليُلملم الشذرات التي بعثرها خلفه؟ وما هي المواصفات التي يجب أن يتحلّى بها رئيس الجمهوريّة الخلف العتيد؟

 

لا يبدو أنّ فخامة الرئيس سيعود إلى تيّاره السياسي الذي عمل على تثبيته طوال عقدين ونيّف قبل أن ينتقل إلى قصر بعبدا. والمعطيات تشير إلى نيّته في أن يتأيقن أكثر في عيون التيّاريّين الذين ما زالوا صامدين مع صهره، متأمّلاً أن يستعيد ألق الماضويّين الذين تركوا سفينته بسبب التحويرات التي قام بها خلفه. ولكن على ما يبدو أنّ كثراً قد باتوا في مركب آخر يبحثون لهم عن هويّة مدنيّة علمانيّة بعيدة من طروحات التيّار التي أسقطتها الممارسات في الشأن العام، لا سيّما ما رشح من نتائج لهذه الممارسات في وزارة الطاقة، وزارة الصهر ومستشاريه.

 

أمّا بالنسبة إلى المواصفات التي من المفترَض أن تطبع الرئيس العتيد، فيجب التنبّه إلى أنّ انتخابات 2016 قد أرست نهجاً رئاسيّاً جديداً، تمّ إسقاط مقولة الرئيس الوافد من خارج الحدود، ليكون العماد عون آنذاك الرئيس الذي أرادته الأكثريّة النيابيّة المنتخَبَة. وهذا ما لم يفهمه بعضهم، حيث صاغوا اتّهاماتهم لمَن أوصلَه بأنّه يتحمّل مسؤوليّة إيصال رئيس 8 آذاريّ، وهو الذي أسقط المشروع السيادي. أعني هنا بالتحديد رئيس حزب القوّات اللبنانيّة، الدكتور سمير جعجع.

 

إنّ مسؤوليّة إيصال الرئيس عون تقع على عاتق الذين أعطوه اكثر من 70 % من أصوات المسيحيّين وقتذاك. هؤلاء الذين نجحوا بهذه المهمّة. أمّا مهمّة سمير جعجع في تلك المرحلة فلقد اقتصرت على مواجهة مجتمع إقليمي ودوليّ رافض لرأي الأكثريّة آنذاك، وهو صرّح علناً بأنّه يريد رئيساً من خارج هذه الأكثريّة، وغير مصنوع في لبنان. ليكون العماد عون الرئيس اللبناني، بفضل سمير جعجع في تلك المرحلة، ومنذ عهد بشارة الخوري حتّى اليوم، هو وحده الذي صُنِعَ في لبنان.

 

وهذا ما يجب التركيز عليه في الانتخابات الرئاسيّة القادمة. نحن اليوم في مرحلة تشبه بتفاصيلها الانتخابيّة مرحلة انتخاب الرئيس الشهيد الشيخ بشير الجميّل. هذا الرئيس الذي لم يُكتَب له بأن ينفّذ مشروعه الرئاسي الذي أعلنه في خطاب قسمه. هو رئيس لبنانيّ صنع في لبنان لا خارجه، كما نجحت الدّعاية المضادّة لنهج المقاومة اللبنانيّة بالإيحاء عكس ذلك طوال ثلاثين سنة. فالرئيس العتيد لن يكون إلا صُنِعَ في لبنان. وهو الذي سيكون رئيساً تمثيليّاً بامتياز انطلاقاً من النهج الذي أرسته مرحلة انتخاب الرئيس عون.

 

من هذا المنطلَق، لا يمكن أن يكون الرئيس العتيد إلا مؤتمَناً على نتائج ثورتي 14 آذار و17 تشرين وعلى مكاسبهما، على ألّا يستعمل هذه النتائج للمقايضة على مكاسب شخصيّة. والرئيس العتيد يجب أن يأخذ بالاعتبار أنّ مهمّته الأساسيّة لبنانيّاً يجب أن تكون باستعادة اللبنانيّين كلّهم، على اختلاف انتماءاتهم الحضاريّة، وإرجاعهم إلى حضن الكيانيّة اللبنانيّة. ومطلوب من الرّئيس العتيد أيضاً أن يحمل رؤية تصل إلى حدّ الحلم للعمل على تحقيقه، لا أن يأخذ الرئاسة وسيلة للإنتقام، أو تتغلّب شهوته في الحكم على طموحه في الحلم. والرئيس العتيد، إن لم يقف يوماً في حياته على قبر رفيقه الشهيد، لن يدرك قيمة هذا الوطن التاريخيّة. فهو حتماً سيبيعه في أوّل جولة مفاوضات. والمطلوب الأهمّ من الرئيس العتيد هو أن ينجح بنقل لبنان من حال التعايش مع الدويلة الأزمة ليُدخِلَ هذه الدويلة في صلب الدّولة الحلّ.

 

وأيّ رئيس يُنتَخَب لا يحمل هذه المواصفات، يعني أنّنا حتماً سننزلق أكثر فأكثر نحو القعر الجهنّمي. وحذارِ استخدام خديعة الـ 65 للإنقلاب مجدّداً على المكتسَبَات الديمقراطيّة. وهذه المرّة إن نجح أصحاب هذه المؤامرة بتكرار أفعالهم؛ فعندها تقع المسؤوليّة على الناس الذين انتخبوا هؤلاء الطرواديّين. عندها، إمّا أن تكون ثورة وطنيّة كاملة وشاملة وجامعة لإسقاط نتائج أفعالهم كلّها، وإمّا فلْنُحضِّر أكفان الوطن!