IMLebanon

تريدون الحوار؟ إنزعوا الأقنعة

 

يملك “الثنائي” مطلق الحرية في تقديره أنّ الـ51 صوتاً التي نالها سليمان فرنجية ليست هزيمة. ولولا بعضٌ من عيب لذَبَح الأضاحي ورفع البيارق وأشعل ساحة النجمة بالرصاص احتفالاً بـ”النصر المبين”. فكل خطابه أصلاً قائم على تحويل الكوارث انتصارات، وأيامِ العار مجيدةً. وما دامت كل الأضرار بالنسبة إليه “جانبية”، فلا غرابة لو اعتبر التعطيل ممارسة طبيعية وإيصالَ فرنجية الى بعبدا مراكمة إنجاز على إنجاز.

 

“تعالوا الى الحوار”. ليس أجمل وألذّ من تبادل الأفكار. بتلك الدعوة الكريمة توَّج رئيس المجلس ونواب “حزب الله” ومرشحهم الممانع جلسة اختبار الأرقام والأوزان، متجاهلين أن هناك مجلس نواب لا يزال واجبه الحصري فتح الجلسات لانتخاب رئيس وليس فتح الموائد لتبادل الأوراق والاجتهادات وأخذ الصور التذكارية للانتهاء بـ”شاء من شاء…”.

 

واضح أن “الثنائي” لن يقبل بالمسار الانتخابي الديموقراطي طريقاً لإنهاء الاستحقاق الرئاسي. في قاموسه أن الدستور خادم مطيع، تارة بالتعطيل والتفسير “البِرِّي” العجيب، وطوراً بالقوة العارية. تداول السلطة فكرة مهينة. والجلوس في المعارضة، مثل اللجوء الى القضاء، من شيم الضعفاء.

 

على أي حال، ليس مبدأ الحوار عاطلاً في نهاية المطاف ما دام النظام الديموقراطي على كف العفاريت و”العيش المشترك” على حد السكين. لكنه ليس حتماً الحوار المقتصر على كيفية تمرير الوقت لتمرير مرشح الممانعة الفاشل، ولا لملء قصر بعبدا بأداة أفضلُ منها الفراغ.

 

ربما حان الوقت لحوار شامل وصريح، يُفصح فيه “حزب الله” تحديداً عمّا يريد، ويجيب عن أسئلة تشغل اللبنانيين، قبل أن يعرض عضلات تسمح له بتشريع مكاسب أخذها عنوة منذ 7 أيار.

 

لو انعقد هذا الحوار لوجب سؤال الحزب هل يؤمن بالنظام اللبناني ويعتبره سقفاً يمكن لكل اللبنانيين الاختلاف تحته من غير أن تُقتلع أوتاد الخيمة وتسقط على الجميع، أم أن “المقاومة الإسلامية في لبنان” لا تزال برنامجه الفعلي؟ وتترتّب على الجواب أسئلة مهمة عن مستقبل الدولة والمقيمين في ظلّها، وهل لا يزال شعار “السلاح للدفاع عن السلاح” حاضراً في ذهن الحزب ام أنّه نتاج مرحلة عصيبة ستنتهي بالإنضواء في كنف الشرعية؟

 

سيبقى المطلب المعلن لجميع الأفرقاء انجاز الاستحقاق الدستوري. وستبقى المطالبة بكشف أوراق كل الناس حَييَّة خشية تخوين ومزايدات. أما الواقع فيقول إن هناك أزمة “عيش مشترك” عمَّقها “الثنائي” وتحتاج الى حلّ بـ”جرعات حصان” أو مبضع جرّاح. وليست جلسة الانتخاب الفاشلة إلا أحد مظاهرها البسيطة. ولن يحلَّها التوصل الى رئيس توافقي يتمسّك بمتعلقات “الطائف” المغدور ويرضي عُبَّاده بـ”استكمال تطبيق مندرجاته”، ما دام سيعلن سلفاً حياده إزاء السلاح غير الشرعي وسيصطدم بالفيتوات والتجاذبات والحمايات الطائفية المتبادلة التي شلّت المؤسسات وشكلت أحد أسباب الفساد والانهيار.

 

فلنعترف بأنّ “الصيغة” ماتت تحت التعذيب. ومَن يرغب في الحوار، فعليه أن يتجاوز قضية ملء كرسي بعبدا ليجعل جدول الأعمال مفتوحاً وينزع القناع. لا مقدَّسَ إلا قيمة الانسان وحق كلّ جماعة في العيش الحرّ والآمن في لبنان. ومن هذه الثوابت يبدأ النقاش.