IMLebanon

الخماسية تواجه التحديات.. أم «حلّوا عنّا»؟

 

إختصر الرئيس نجيب ميقاتي «وصفة» الخروج من دوامة الأزمات التي يتخبط فيها لبنان، بكلمات بسيطة وعفوية ولكنها معبّرة، حين رد على إنتقادات النواب وعنترياتهم بالقول: إنتخبوا رئيساً… وحلّوا عنا!

ميقاتي لم يُعبّر عن ضيقه وحسب، بما تعرض له من سهام النواب، وما حملته من إفتراءات وإتهامات، بل أعاد الأمور إلى نصابها الطبيعي، واضعاً مفتاح الأزمة في الإنتخابات الرئاسية، وهو ما تعمل له عواصم الخماسية منذ أكثر من سنة، دون أن تستطيع فك رموز الإنقسامات اللبنانية، وخاصة المسيحية، التي تُعطل إنتخاب الرئيس العتيد، وتتسبب بكل التداعيات الناتجة عن الشغور الرئاسي، وعدم وجود حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية، ومضاعفات كل ذلك على تلاشي هيبة الدولة، وتراجع قدرتها على تدبير شؤون البلاد والعباد.

 

تَفاءَل اللبنانيون، بشيء من الترقب والحذر، عودة نشاط اللجنة الخماسية، عبر سفراء الدول الخمس في بيروت، لتحريك المياه الراكدة في الإستحقاق الرئاسي، التي بقيت هادئة منذ إندلاع الحرب الإسرائيلية الإجرامية على غزة، في محاولة جديدة لفصل الإنتخابات الرئاسية في لبنان عن أزمات المنطقة، واستعدادًا للتطورات المرتقبة في الإقليم، والتسويات المطروحة، بعد وقف العدوان الهمجي على قطاع غزة.

من المؤسف القول أن طريق الخماسية نحو قصر بعبدا لن تكون مفروشة بالورود، وهي ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض، بسبب الإنقسامات التي تعصف بالوضع السياسي، وتغليب عقلية المعاندة والمكابرة والإنكار، على كل ما عداها من منطق التقارب والحوار، والبحث عن المخارج المناسبة، بواقعية سياسية ناضجة، وبلوغ شاطئ التسوية المتوازنة، التي تُراعي معادلات الصيغة الوطنية، والتي يكون فيها الجميع رابحاً، بعيداً عن حسابات الحسرة والخسارة، لأي فريق سياسي، أو لأي مكون طائفي.

ثمة تحديات تعترض سبيل الخماسية، منها داخلي وبعضها خارجي، وتضع مهمة السفراء والوسطاء على المحك مرة أخرى. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك التحديات بالنقاط التالية:

١ــ إستمرار الحرب في غزة، وما تفرضه من بقاء التوتر على الحدود الجنوبية اللبنانية مع العدو الصهيوني، الذي يتربص بوطن الأرز، ويهدد بشن الحرب ضده، إذا لم ينسحب حزب الله من جنوبي الليطاني، وتطبيق القرار ١٧٠١. وهو أمر غير  وارد حالياً على الأقل، إلى أن يتم جلاء الوضع في غزة، والتوصل إلى وقف العمليات العسكرية، كما أعلن حزب الله أكثر من مرة. وبإنتظار تلك اللحظة سيبقى الوضع الحدودي مع العدو الإسرائيلي على حاله من السخونة، ومفتوحاً على أسوأ الإحتمالات.

٢ــ  رهان إيران وفريق الممانعة على نتائج المواجهة المحتدمة في الإقليم بين أطرافه في العراق واليمن والبحر الأحمر والجنوب اللبناني، إمتداداً للحرب في غزة، والنقاط التي تسجلها هذه الأطراف ضد حلفاء العدوان الإسرائيلي، وعرقلة حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وباب المندب، والعمل على توظيف هذه الخطوات في داخل دولها،  مثل الإستحقاق الرئاسي في لبنان.

٣ــ عدم وضوح الموقع الإيراني بالنسبة للجنة الخماسية، رغم التقارب السعودي ــ الإيراني في الفترة الأخيرة، فضلاً عن المفاوضات الأميركية ــ الإيرانية في سلطنة عُمان، وبالتالي التساؤل إلى مدى يمكن أن تكون طهران شريكة عواصم الخماسية في الملف اللبناني، إستناداً إلى موقع حزب الله والثنائي الشيعي في المعادلة الداخلية اللبنانية.

هل تتحول الخماسية إلى «٥ + ١» مثلاً، أم يبقى التعاطي معها على المستوى الثنائي، السعودي من جهة، والأميركي من جهة أخرى.

٤ــ تفاقم الإنقسامات بين الأطراف السياسية اللبنانية، وإستمرار القطيعة بين قيادات الصف الأول، في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ دولة الإستقلال. الأمر الذي يتطلَّب جهوداً مكثفة من قبل الخماسية. لإعادة وصل ما إنقطع بين زعماء الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية، سواء من خلال حوارات ثنائية أو ثلاثية، طالما أن طاولة الحوار ما زالت مرفوضة من قبل جماعات المعارضة، قياساً على فشل المحاولات السابقة، وتجنباً لفرض مرشح الممانعة كبند أساسي في جلسات الحوار، سيّما وأن الثنائي الشيعي مازال متمسكاً، حتى الآن، بترشيح الوزير سليمان فرنجية.

٥ــ تشتت الأصوات المسيحية في السباق الرئاسي، وعدم نجاح المحاولات العديدة التي قامت بها بكركي لتوحيد الصوت المسيحي، أو على الأقل التوصل إلى حد أدنى من التنسيق والتفاهم بين الأحزاب المارونية، مما أدّى إلى تعثر مساعي التقريب بين مواقف القيادات المتنافسة.

تتجنب دول الخماسية أن تُلزم نفسها بسقف زمني لإنجاز الإستحقاق الرئاسي المتعثر، وإن كان ثمة تعويل على إنهاء هذا الملف خلال فترة أقصاها ثلاثة أشهر.

فهل تتخلى الأطراف اللبنانية عن عنادها الأناني، ومكابرتها الشخصية، وحساباتها الفئوية الضيقة، وتتجاوب مع مساعي الأشقاء والأصدقاء، قبل أن يضيقوا ذرعاً بخلافاتنا، ويصرخوا بوجوه القيادات: حلّوا ..عنا!