IMLebanon

هل يلتقي “القلب” الفرنسي مع “العقلين” الاميركي والسعودي؟

 

قبل جلسة الخميس النيابية السابعة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري أمس لانتخاب رئيس للجمهورية، لا يبدو انّ هناك أي تطور لافت سوى مزيد من الانتظارات. وفي الوقت الذي لم تظهر أي مبادرة خارجية واضحة، ينحو الحديث إلى المسعى الثلاثي الأميركي – السعودي – الفرنسي، على رغم مما يدور حوله من لغط مسبق. وهو ما طرح السؤال عن مدى التلاقي بين «القلب» الفرنسي و»العقلين» الأميركي والسعودي. وعليه، هل من تفسير لهذه المعادلة؟

حتى الأمس القريب ما زال الحديث عن المسعى الفرنسي – الأميركي – السعودي لمساعدة لبنان في تجاوز مسلسل الأزمات التي يعانيها. وقد انطلقت مجموعة من المشاريع والمبادرات الصحية والاجتماعية والتربوية والانمائية التي موّلتها السعودية وفرنسا، بمعزل عن تلك التي تتولّى تمويلها الولايات المتحدة الأميركية. ولم تقارب بعد أي من هذه الدول الثلاث أي خطوة تتصل بالاستحقاق الرئاسي، بعدما تجاهلت بنحو غير مسبوق ما أحاط بالأزمة الحكومية منذ أن انطلقت مع نهاية ولاية المجلس النيابي السابق في 22 أيار الماضي. وهي التي ارتبط تعثر ولادتها بما آلت إليه التطورات، بعدما انتقلت صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، ما خلا تلك اللصيقة به منذ ان خلت سدّة الرئاسة مطلع الشهر الجاري.

 

ليس في ما سبق أي اكتشاف او اشارة إلى أي حدث جديد. فقد أصرّت كل الدول ومعها المؤسسات الدولية والاقليمية والأممية، على اهمية احترام المِهل الدستورية، وأصدرت عشرات البيانات الداعية الى التزام ما يقول به القانون والدستور من دون أي جدوى، حتى انّ بعض ديبلوماسييها سمع كلاماً جارحاً من بعض الأطراف التي اعتبرت أي موقف، ولو اقتصر على النصح، ربطاً بكثير من مطالب اللبنانيين من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومعهما المؤسسات المانحة، لمساعدتهم في تجاوز مجموعة الأزمات التي نمت وتناسلت على اكثر من صعيد.

 

ولذلك، فقد ابتعد العالم في اول ردّ فعل ملحوظ على مسلسل التجنّي الذي عبّرت عنه اطراف لبنانية اكثر فأكثر عن يوميات اللبنانيين السياسية والحكومية، على الرغم من مجموع المناشدات التي أُطلقت من وقت لآخر. فتجاوب كثير منها في مجالات محدّدة، واستكملت بعض الدول برامج المساعدة التي بدأتها، لتجاوز مخاطر انهيار القطاعات الحيوية التربوية منها والصحية والبيئية والانسانية، عدا عن المساعدات التي بقيت محصورة بالنازحين السوريين والمجتمعات المضيفة بطريقة مذلّة احياناً، عدا عن تلك المشاريع التي ارتبطت بإنتاج الطاقة، بعدما لم توفّر الحكومة ما كان مطلوباً منها من إصلاحات في القطاع وتشكيل الهيئة الناظمة له، لتوفير الدعم المالي لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الاردنية عبر الشبكة السورية، فتهاوت وعودهم يوماً بعد يوم، الى ان انتهت على عتبة الوعود الفاشلة، حتى شملت لاحقاً التأخير الحاصل في تطبيق الاتفاقات مع العراق وتبخّر الهبة الإيرانية من الفيول، من دون اي تفسير رسمي بعد.

 

وإلى هذه المؤشرات التي ما زالت تتحكّم بيوميات اللبنانيين، بقي ملف انتخاب الرئيس على طاولة الجدل البيزنطي، ولم تظهر أي مؤشرات يمكن ان تقود الى احتمال التوصل الى انتخابه بأي طريقة وعلى أي مستوى، في ظلّ مسلسل جلسات الخميس المملة، والتي لم تخرج عن رتابتها بعد، ومظاهر متكرّرة بقيت فيها الاوراق البيض في مواجهة مجموعة من الأسماء الثابتة والمتنقلة بما لا يؤدي الى إنتاجه. وهو ما دفع إلى انتظار المبادرة الوحيدة المحكي عنها، ربطاً بالتحرّك الفرنسي بالتنسيق مع الولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية، فتوجّهت الأنظار الى مجموعة القمم التي عقد عدد منها مع اقتراب البعض الآخر من مواعيده المقرّرة.

 

فإلى اللقاء الذي جمع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لم يظهر انّ هناك حراكاً علنياً قامت به باريس. فهي تتكل على سفارتها في بيروت، قبل ان تغيب السفيرة آن غريو عنها منذ عشرة ايام تقريباً، بعدما جالت على معظم القيادات الروحية والحزبية، وعقدت او كلّفت معاونيها الكبار المهمّة، لعقد اكثر من اجتماع مع قيادات من «حزب الله» من دون ان تطلق أي موقف علني.

 

ولا يتجاهل المراقبون، انّ كل هذه المؤشرات قد تزامنت مع حركة ديبلوماسية سعودية، توّجها الاحتفال، بعد تعطيل العشاء السويسري، بالذكرى الثالثة والثلاثين لتوقيع اتفاق الطائف على اراضيها، وغادر بعدها السفير وليد البخاري إلى بلاده لمزيد من المشاورات، قبل التحركات المزمعة لولي العهد في اكثر من زيارة وقمة، وبقيت اصداء تحركاته وسط تشكيك ما زال قائماً، إن كان لديه وقت كافٍ لمناقشة الجديد على الساحة اللبنانية حسب ما هو متداول في كثير من الأوساط السياسية، طالما انّ أياً من الخطوات المطلوبة خليجياً لم تتحقق بعد. وإنّ العودة إلى ما نُفّذ من «المبادرة الكويتية» كافٍ لتعزيز هذه الشكوك بعدم وجود تلك الغيرة الخليجية السابقة على الوضع في لبنان، والاحتفاظ بالشكوك المشار اليها الى أجل غير مسمّى.

 

وعلى الرغم من مجموعة المحطات هذه، فقد عُقد الرهان على الحراك الفرنسي الأخير الذي قاده الرئيس ماكرون شخصياً، في لقائه في بانكوك قبل أيام على هامش «قمة بلدان آسيا وجزر المحيط الهادئ» مع الأمير محمد بن سلمان، والتحضيرات الجارية للقمة المنتظرة اول الشهر المقبل في واشنطن مع نظيره الاميركي جو بايدن، بالتنسيق مع قيادات أوروبية والفاتيكان، على امل التوصل إلى خيط يؤدي إلى طرح ما يعانيه لبنان، على دوائر هذه الدول، لإنتاج وساطة تقود إلى حل يُخرج البلاد من مآزقها من دون ما يضمن مثل هذه النتيجة المرتجاة. والدليل، ما استقطبته باريس في الفترة الأخيرة من اجتماعات سعودية ـ فرنسية، قبل ان تستقبل المرشحين الرئاسيين الساعين الى استكشاف المرحلة المقبلة، وكسب ودّها إن كان ذلك يؤهلهم للتقدّم في السباق الى قصر بعبدا.

 

وإن توقف المراقبون امام هذه المرحلة، فإنّه لا بدّ من الاشارة الى انّ هذه الزيارات لم تُحدث اي تغيير ايجابي او سلبي. فقبل ان يحطّ النائب جبران باسيل رحاله في الإليزيه بلقاءات مع مساعدي الرئيس ماكرون، كان الوزير السابق روني عريجي قد سبقه بصمت اليها، ممثلاً رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، من دون ان تظهر أي نتائج عملية لهاتين الزيارتين، ما خلا تلك التي لا تخرج عن التحليلات والتنظيرات التي توحي بكثير من الرغبات والتمنيات التي لا تقدّم ولا تؤخّر في ما هو مرتقب من أحداث.

 

وعليه، طُرح مزيد من الأسئلة التي يصعب توفير الأجوبة عنها، وبقي أبرزها إن كان الحديث ممكناً عن تلاقي «القلب» الفرنسي الغيور على بيروت مع «العقلين» الأميركي والسعودي، لمعرفة النتائج التي يمكن ان يقود اليها اي حراك من هذا النوع. وإلى تلك اللحظة، سنبقى نحصي الأوراق البيض ومثيلاتها من أسماء مختلفة ككل خميس، إلى ان يأتي الله بما ليس متوقعاً. ولكن إلى متى؟