IMLebanon

لماذا يسعى “حزب الله” إلى المشاركة بالرئيس وإن كان قادراً على فرضه

 

«شرم برم والناس غافلة والغفلة عل أفهام قافلة والكذب لعلع بالحفلة وأغلب السامر مساطيل يا بلدي مشوارنا طويل» أحمد فؤاد نجم

لا مجال للشك بأنّ بلدًا مثل لبنان واقعًا تحت سلطة قاهرة، وفيه نوعية متفاوتة من النواب من ناحية الالتزام السياسي او الأخلاقي أو المصلحي، يمكن فيه لمن يملك ناصية السلطة فَرض ما يريده لينتخبه النواب بالطريقة «الديموقراطية»، أي بالتصويت بشكل سري «حر» لاختيار الرئيس. مِن أوضح الأمثلة كان انتخاب الرئيس الياس سركيس وبشير الجميل ورينيه معوض (كما اغتيالهما) والياس الهراوي وإميل لحود (والتمديد لهما) كما ميشال سليمان وميشال عون. والطريقة هي إمّا بالفرض أو بالمنع أو بالإغراء.

 

بالعودة إلى شغور سدة الرئاسة الحالي، مع قناعتي بأن الشغور كان موجودًا حتى بوجود رئيس. ولكن لنعد إلى الآن، فلو قمنا بحساب بسيط لأهواء النواب بشكل عام، أظن أنه إذا استمرت جلسات الانتخاب بشكل مُتتال، بوجود ثلثي المجلس أو حتى النصف زائدا واحدا، فبإمكان «حزب الله» تأمين 65 صوتًا لمرشحه، وبالأخص إن كان سليمان فرنجية، وذلك بخليط من القناعة والترغيب والترهيب. فبعض الكتل لا يمكن أن ترى نفسها خارج السلطة مهما كانت قناعاتها السياسية المعلنة، وأخرى لديها مصالح ذاتية لا تريد أن تتعرض للتهديد، يضاف لها الملتزمين أصلًا بخيارات «حزب الله».

 

الإشكال الأساسي، بعد أن تم اليوم تطويع أو تحييد معظم نواب السنّة، يبقى موقف الكتل المسيحية الكبرى، أي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، بغضّ النظر عن توجّه كل كتلة منهما في مسألة رئاسة الجمهورية. الكتل المسيحية بشكل عام لن تنتخب مرشح «حزب الله» النظري الحالي، وبالرغم من أن بعض النواب المسيحيين سيشاركون ليؤمنوا ما يسمّى «الميثاقية»، لكن ما يريده الحزب هو توافق يشبه ما حصل مع الرئيسين عون وسليمان، أي أن يختبئ الحزب من جديد وراء أكثرية نيابية هو جزء منها تتوزّع المسؤوليات، وتحميه بالتالي، داخلًا وخارجًا، من وزر تحميله المسؤولية عن فرض رئيس يمكن تسميته رئيسًا تابعًا لـ«حزب الله».

 

لو ذهب الحزب إلى انتخاب رئيس بالأكثرية من دون توافق، يعني أن الموقف الدولي من الرئيس سيكون الموقف ذاته من الحزب، كما أن الوضع المعيشي الذي يتنصّل «حزب الله» من المساهمة أو التسبب بتدهوره، سيقع على عاتقه إصلاحه بحكم أن السلطة تابعة بالكامل له. وبالتالي، سيحمل وزر الفشل طالما أن الظروف المحلية والإقليمية ذاتها لا تزال تتحكّم بالوضع.

 

لكن المسألة الداخلية هي فقط جزء من الأسباب التي تدعو الحزب لعدم سلوك درب فَرض الرئيس عبر الانتخابات، فما يريده أيضًا هو أن تكون إيران شريكة مع دول أخرى في اختيار الرئيس، وذلك، أولًا في تضييع المسؤوليات، وثانيًا للاعتراف بإيران ودورها الإقليمي، وهو ما حصل بشكل من الأشكال في اتفاق ترسيم الحدود مع إسرائيل، وإن بشكل موارِب كما رأينا.

 

لكن الوقائع تقول اليوم إنه ما كان ممكنًا منذ بضعة أشهر، بظل إدارة أميركية كانت تسعى للتفاهم مع إيران بخصوص الملف النووي، وأوروبا كانت لاهثة لفتح مصالحها الاقتصادية في إيران، أصبح اليوم مستحيلًا على المدى المنظور، بعد اندلاع الثورة في إيران، وما تبعها من إعدامات وعنف، وهو ما لن يسمح لهذه الدول بأن تتجاهل تلك الأمور والذهاب إلى تعويم النظام الإيراني سياسيًا وماليًا من خلال الاتفاق معه. لكن ما زاد الأمر تعقيدًا هو دخول إيران على الحلبة الأوروبية من خلال شراكتها العسكرية مع روسيا المستجدة بخصوص الحرب على أوكرانيا. هذا يعني أن مسألة التفاهم، البعيد المنال أصلًا مع إيران على الملف النووي، زادت تعقيداته بالتشابك مع الحرب الطويلة في أوروبا، وبالتالي تأجيل إمكانية الاتفاق.

 

وفي الوقت ذاته عودة المساعدات والاستثمارات والحركة الاقتصادية بشكل يمنع الانهيار الكامل للدولة، ويسمح للحزب بالاستفادة من المقدّرات فيها.

 

لكن، بما أنّ الخيارات هذه ليست متوفرة في الوضع الراهن، فإنّ الحزب وإيران قادران على الصبر والانتظار حتى تتبدل الظروف، فالثمن بالنسبة لهما عكس ذلك هو الاستسلام إلى تسويات غير متكافئة في هذه اللحظة. بالطبع، فإن الثمن يعني المزيد من الأسى والفقر واليأس والهجرة لأبناء البلد إلى أجل غير مسمّى.