IMLebanon

أولويات ومواقف جامدة تترك اللعبة للخارج

 

لبنان محكوم بما يشبه قدر الأبطال المتصارعين في التراجيديا الإغريقية. وما يحدث على المسرح الرئاسي هو مجرّد تعبير عمّا أصاب الوطنية اللبنانية والحياة السياسية وكل ما كان من كرامة العيش للمواطن. فالإنسداد السياسي في الموضوع الرئاسي ليس أمراً عابراً يسهل تخطّيه. لا بالحوار الذي يراد له أن يدور بين متخندقين في المتاريس، وأن يدار في الكواليس. ولا بالعودة الى اللعبة الديمقراطية الشكلية عبر التنافس بين مرشحين بعدما غاب لعقود بقوة الوصاية السورية ثم بقوة “محور الممانعة” كوريث وبديل وحليف لها. وتكرار معادلة خلاصتها: هذا المرشح أو الفراغ، مع ما في الأمر من ممارسة لغطرسة القوة، هو في العمق تذكير بأننا صرنا في لبنان آخر ومفهوم آخر للتسويات بعد “لبنان الذي لا يُحكم إلا بالتسويات” كما قال ميشال شيحا في تقديم الدستور للمجلس النيابي.

 

ذلك أن الخلاف ليس على الأشخاص بل على الأولويات التي على أساسها يتمّ تحديد الأسماء والحكم لها أو عليها. والخلاف جوهري، بصرف النظر عن صفات الأشخاص وتجميل الخطاب. الأولوية لدى القوى “السيادية والتغييرية” هي لاستعادة الجمهورية المخطوفة، وعودة لبنان الى موقعه العربي الطبيعي، ومعالجة الأزمات السياسية والمالية والإقتصادية عبر مشروع بناء الدولة. وهذه تحتاج الى رئيس يتمتّع بالحكمة والثقة في الداخل ولدى الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين لضمان المساعدات والإستثمارات بما يقود الى مسار التعافي بعد الإتفاق مع صندوق النقد الدولي. والأولوية لدى “محور الممانعة” هي لحماية مشروع المقاومة وإبقاء لبنان “ساحة” للصراعات، ولو أدى ذلك الى عزلة عربية ودولية له. وخطاب هذا المحور يتضمّن بالطبع معالجة الأزمات، بصرف النظر عن السياسات والتمسّك بالصراعات التي تجعل المجيء بالمساعدات الضرورية مسألة بالغة الصعوبة.

 

والسؤال هو: الى ماذا يقود الوقوف في المتاريس مع إدراك كل طرف أنه لا يستطيع إيصال المرشح الذي يريده والمفضل لديه الى القصر الجمهوري؟ والسؤال الآخر هو: ماذا لو ضمن أي طرف 65 صوتاً للمرشح الذي يريد من دون أن يضمن نصاب الثلثين في الجلسة الإنتخابية؟ الجواب البسيط هو أن هذا الوضع يعني نهاية الكلام على “لبننة” الإستحقاق الرئاسي، وترك الدور للقوى الخارجية. شيء من الرهان على ما يمكن أن يفيد لبنان من الإتفاق السعودي – الإيراني برعاية صينية. وشيء من انتظار المساعي الفرنسية. وشيء من الرهان على توافق إقليمي تدعمه أميركا.

 

ولا شيء في اليد من دون تفاهم داخلي على الأولويات الملحّة للبنان واللبنانيين قبل الحديث عن مشاريع خطيرة لتغيير هوية البلد وطبيعته ودوره ونظامه الديمقراطي، سيصطدم أصحابها بجدران قوية. فالبلد أكبر منهم. واللعبة في لبنان هي مجرّد خط صغير على خارطة الصراعات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وعليه. وليس أخطر من الفراغ سوى ملئه بما يأخذنا الى اكتمال الإنهيار عبر القطيعة العربية والدولية.

 

كان الفيلسوف إيمانويل كانط يقول: “السلام الدائم سيأتي في نهاية المطاف بإحدى طريقتين: بصيرة الإنسان الثاقبة أو الصراعات والكوارث التي لا تترك خياراً آخر”. لكن الصراعات والكوارث في لبنان قادت ولا تزال الى المزيد منها. والرهانات على بصيرة الإنسان لإنقاذنا هي مغامرة لا بدّ منها مهما تكن صعبة.