IMLebanon

رئاسة سوريالية وجمهورية تراجيدية

 

لا شيء يوحي أن الفراغ الخطير مخيف للمتحكمين بلبنان، وإن كثر في خطابهم التحذير منه. ولا أحد يجهل ما وراء الإصرار على لعبة مزدوجة: الفراغ الطويل أو ملء الفراغ بما هو أخطر منه. فالوضع الحالي مثالي بالنسبة الى الذين صنعوا الأزمات وأكلوا المال والسلطة من دون أية مسؤولية. وهم يسخرون من دعوة سفراء كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وبريطانيا وأميركا والإتحاد الأوروبي في بيان مشترك الى “إعادة إكتشاف الشعور بالمسؤولية”. فما يدرك الجميع أنه أعلى مستوى من الإدانة تصل اليه الديبلوماسية، هو عند المتحكمين بالبعد خطأ من السفراء في تفسير المسؤولية. ذلك أن المسؤولية هنا ليست “أن تكون لمصالح الشعب والأمة الأسبقية على المصالح السياسية” بل أن تكون الأولوية القصوى للتحكم بالشعب والأمة لضمان المصالح السياسية والشخصية. وقمة المسؤولية في نظرهم هي دفع الجائعين والمسروقين والمهانين بكل شيء يومياً الى التصفيق لهم وإعادة إنتخابهم و”فدائهم بالروح والدم”.

 

وليس ما نراه في معركة الرئاسة سوى دوران أمام جدار مسدود. ولا ما نسمعه سوى تكرار قصة ناقصة. شيء من رئاسة سوريالية في جمهورية تراجيدية. وشيء من الحماسة للرقص في مقبرة. طرفا الإنقسام الوطني والسياسي يتسلح كل منهما بالموقف السعودي. فرنسا تلعب بأوراق سواها وتصر على إستمرار اللعبة بعد سحب الأوراق من يدها والطاولة من أمامها. وهي خسرت القوى المسيحية والدرزية وما بنته في الأوساط السنية أيام الرئيس رفيق الحريري، ولا تستطيع أن تربح الثنائي الشيعي، ولو دعمته، لأنه مع إيران وسوريا. مواقف “الخماسية” العربية والدولية حائرة. الموقف الأميركي محيّر. والإتفاق السعودي-الإيراني لا يزال في إمتحان اليمن، وإن أعطى إشارة في سوريا.

 

أكثر من ذلك، فليس هناك مرشحون لديهم أصوات. الثنائي الشيعي يجمع أصواتاً لمرشحه زعيم المردة سليمان فرنجية. القوى المعارضة تبحث عن الإتفاق على مرشح تستطيع جمع الأصوات اللازمة له. والكل يبدو مرتبكاً في الحاجة الى حاكم جديد لمصرف لبنان بعد إنتهاء الولاية الأخيرة من ولايات الحاكم رياض سلامة، الذي “هندس” الإنهيار النقدي والمالي بدعم من المافيا الحاكمة. والجدل واسع. هل يمكن ويجب أن تسارع الى تعيينه حكومة تصريف الأعمال لأن فراغ المنصب أخطر من كل ما فعله الحاكم؟ وهل الأفضل هو إنتظار رئيس جديد، لا أحد يعرف متى يمكن إنتخابه بعد سبعة أشهر من الشغور، ولا يكفي الإنتخاب لأن تعيين الحاكم يتطلب حكومة تتألف وتنال ثقة المجلس النيابي لتصبح قادرة على إتخاذ القرارات في مجلس الوزراء؟

 

المعادلة التي يهرب منها البعض هي: الإصلاحات والإتفاق مع صندوق النقد الدولي أو لا مساعدات. وما يوحي البعض أنه ممكن هو الصعب جداً: ترتيب حل لسلاح “حزب الله” والنازحين السوريين. فالموضوعان معقدان جداً ومرتبطان بحسابات إقليمية ودولية الى جانب الحسابات المحلية والعربية. وإذا كان الغرب يربط عودة اللاجئين بتسوية سياسية لا تزال دمشق تهرب منها، فإن قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاآني يعترف بحديث عن السلاح في “محور المقاومة” بأن “القدس ليست هدفاً نهائياً بل هدف وسط”.

 

يقول جان كوكتو: “أفضّل الأسطورة على التاريخ”. لكن في لبنان والمنطقة من سبقه في توظيف الأسطورة لـ”تصحيح” التاريخ والتحكم بالحاضر والمستقبل.