IMLebanon

خصوم فرنجية ضائعون بلا مرشح

 

إذا انعقدت جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، في ظلّ المعطيات القائمة، فسيكون الفوز لرئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. وعلى الأرجح، في الفترة المقبلة، ستزداد الضغوط الخارجية على الكتل والنواب لتأمين نصاب الجلسة في الدرجة الأولى، والباقي يصبح سهلاً.

هناك مشكلتان يعانيهما «خصوم» فرنجية السياسيون:

1- تَخلّي حلفائهم الإقليميين والدوليين عن نهج التشدُّد إزاء مرشح «حزب الله»، واحتمال قبولهم به ضمن سلّة متكاملة. فالسعودية لن تغامر لا بالتوافق الذي أنجزته حديثاً مع إيران ولا بتقاربها مع دمشق من أجل التسوية في لبنان. وأما فرنسا، فتتمسّك علناً بمبادرتها التي جاهرت باكراً بطرحها ودافعت عنها بقوة، فيما بقي موقف الولايات المتحدة يوحي بالارتباك في هذا الملف. وقد تكون التطورات المتعلقة بحاكمية مصرف لبنان دافعاً إضافياً للحسم.

 

2- التنافر بين هؤلاء الخصوم وعدم اتفاقهم على مرشح واحد. فالنائب جبران باسيل يرفض فرنجية لا من منطلق انتمائه السياسي، بل لضرورات الزعامة، أي إنّ المنافسة معه تتخذ الطابع السياسي الداخلي، ببعده الشخصي. وهو بالتأكيد، لن يصل في مواجهة فرنجية إلى حدّ دعم المرشح الذي تطرحه قوى 14 آذار ويرفضه «حزب الله».

 

وكذلك، هناك تنافر واسع بين «القوات اللبنانية» و»الكتائب» والتغييريين والمستقلين. وبالتأكيد، في صندوق الاقتراع، سيحصل فرنجية على أصوات العديد من النواب المحسوبين تغييريين ومستقلين. وهنا يجدر التدقيق في الموقف الذي ستعتمده كتلة «الحزب التقدمي الاشتراكي» والنواب السنّة. وقد يكون كافياً للرئيس نبيه بري أن يساهم هؤلاء في توفير النصاب.

 

من الممكن أن يبقى حزبا «القوات» و»الكتائب» وحدهما في المواجهة النهائية، مع مرشحهما، ويدعمهما بعض التغييريين. لكن ذلك لن يكفي لتحقيق الفوز. وقد يؤدي هؤلاء دوراً غير مباشر في إيصال فرنجية، لمجرد مساهمتهم في تأمين النصاب.

 

ولذلك، يواجه معسكر الخصوم وضعاً دقيقاً. وتبدو «القوات» بكتلتها الوازنة في مواجهة التحدّي: فهل تشارك وتسهّل أم تُقاطع وتعطِّل، خصوصاً إذا تمكّن «الثنائي» من توفير النصاب لانتخاب فرنجية من دونها؟ هل تُواصل المقاطعة لـ»تسجيل موقف» أم تنضوي في التسوية بشكل أو بآخر، ما يحفظ لها ماء الوجه ويجنّبها «عتب» الحلفاء العرب والخروج من اللعبة السياسية في أول العهد؟

 

في تجربة استحقاق 2016، اعتمدت «القوات» نهج الاستيعاب. وعندما قرَّر «حزب الله» إيصال العماد ميشال عون إلى بعبدا، اندفع الدكتور سمير جعجع إلى إبرام صفقة معه. فوصل عون بقوة «الحزب» وتغطية «القوات».

 

كان جعجع يعتقد أنّه في هذه المناورة سيحقق المكاسب السياسية، على المديين القريب والبعيد. لكن عون استغل التغطية «القواتية» وجيَّر العهد لرئيس «التيار» جبران باسيل ولـ»الحزب» فقط. وفي منتصف الولاية، تحت وطأة «الاضطهاد» السياسي الذي تعرَّض له، اعتمد جعجع نهج الاستيعاب مرة أخرى، فعَقَد مصالحة «تاريخية» مع فرنجية، على المستوى الشخصي، لكن التباعد بقي شاسعاً في التوجُّهات السياسية.

 

أيضاً، حينذاك، كان جعجع يكسب الوقت، ويراهن على عملية خلط أوراق داخلية، تتبدَّل فيها معادلات القوة على الساحة قبل انتهاء ولاية عون، فيأتي الرئيس الجديد من خارج سرب «الثنائي». لكن انتفاضة 2019 فشلت، فيما التغيير الذي حققته انتخابات 2022 بقي عاجزاً عن قلب المعادلة.

 

واليوم، جاءت المبادرة الفرنسية، ثم الصفقة السعودية- الإيرانية لتزيد الأثقال على كاهل خصوم «حزب الله»، على رغم التطمينات التي تحرص باريس والرياض على تقديمها. وتبقى كلمة واشنطن هي التي ترجح الكفة. فإذا وافقت على مرور المرشح الذي يدعمه «الثنائي» إلى بعبدا، فإنّ أحداً لن يستطيع الوقوف في طريقه.

 

ويتحدث العارفون عن اتجاه إلى توسيع القاعدة الداعمة لفرنجية، بحيث تصبح له كتلة نيابية وازنة، ذات تركيبة متنوعة طائفياً، إنما مسيحية بغالبيتها، ما يمنع الخصوم المسيحيين من رفع شعار «ضعف التمثيل» في وجه العهد. وسيكون لكتلة العهد ثقل وازن داخل المجلس النيابي، ما يوفّر التغطية اللازمة للخطوات التي يريد رئيس الجمهورية إقرارها.

 

هل ما زالت الفرصة سانحة أمام خصوم فرنجية لتغيير مسار الاستحقاق الرئاسي وإبعاده عن قرار «حزب الله»؟

 

المسألة رهن بما ستتوصل إليه القوى الخارجية، أي مجموعة الخمسة المشاركين في لقاء باريس، ومعهم إيران. فمن الواضح أنّ المعنيين في لبنان عاجزون عن القيام بأي خطوة، وهم أبقوا الاستحقاق في الثلاجة، انتظاراً لإنضاج الظروف وورود الإشارة المناسبة من الخارج.

 

وفي الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، سيكون الملف على نار قوية، سواء داخل القمة العربية أو حلقة الخمسة المشاركين في لقاء باريس، ومعهم إيران. وليس واضحاً إذا كان ذلك سيقود إلى الحسم قريباً. لكن خيار طهران هو الأوفر حظاً حتى الآن.