IMLebanon

مرقص عن “النصاب الرئاسي”: يرمي إلى تنظيم الإنتخاب وليس إعاقته

 

دخلنا في اليوم 22 من الشغور الرئاسي، ولمّا يستطع نوّاب الأمّة التوصّل إلى انتخاب الرئيس العتيد. ليس لسبب إلّا لأنّ بعضهم ما زال حتّى الساعة يصرّ على فهم الدّستور كوجهة نظر لا سيّما من حيث مسألة النصاب.

 

وللوقوف عند هذه المسألة التي باتت تشكّل إشكاليّة الساعة، كانت لـ»نداء الوطن» دردشة مع رئيس مؤسسة JUSTICIA المحامي الدكتور بول مرقص الذي أكّد أنّه «بحسب الدستور، يُنتخب الرئيس بالاقتراع السرّي بغالبية ثلثَي أعضاء مجلس النواب في الدورة الأولى، بينما تكفي الغالبية المطلقة (56 صوتاً وليس 34) لانتخابه في دورات الاقتراع التي تلي ذلك». وبالنسبة إلى آليّة الترشّح يستند أيضاً إلى الدّستور فيلحظ أنّه «لا يفرض على المرشّح أن يعلن ترشّحه للرئاسة، وإنّما يجب على المنتخَب أن يكون متمتّعاً بالشروط التي تؤهّله للنيابة (البرلمان) بما فيها شرط الجنسية».

 

أمّا عن الغالبيّة التي ذكرتها المادّة 49 فيؤكّد الدكتور مرقص أنّ «كلمة غالبية الواردة في هذه المادة لا تعني النصاب حرفياً، بل فقط عدد الذين يقترعون فعلاً في الجلسة. إنه يكفي في الأحوال العادية ليكون الاجتماع قانونياً، أي أن يضمّ نصاب الجلسات العادية المنصوص عليه في المادة 34 من الدستور، أي الغالبية المطلقة من مجموع أعضاء النواب».

 

وفي ما يتعلّق بالجدل القائم حول ضرورة وجود ثلثي النواب، يعتبر مرقص «أنّ كثراً يصرّون على أنّ نصاب الثلثين هو المطلوب. ومن أهمّ روّاد هذه النظرية الأخيرة، العلّامة الدكتور إدمون رباط، الذي اعتمد على قاعدة التفسير التي تأخذ بعض مواد الدستور الواضحة، بهدف تفسير المواد الغامضة».

 

وفي قراءة واضحة لفلسفة دستور «الطائف» يرى «أنّ فلسفة النصاب هي لمنع تفرّد قلّة قليلة من أعضاء الهيئة الناخبة بانعقاد الجلسات، خوفاً من تعسّف الأقلية وليس تحكّم الأكثرية». وفي هذه القراءة نظرة متقدّمة جدّاً لفهم الديمقراطيّة اللبنانيّة التي تقوم على حفظ حقوق الأقليّة، وليس على تحكّم الأكثريّة.

 

ويتابع الدّكتور مرقص في قراءته الدّستوريّة للمادة 49 فيجزم بأنّه «يجب احترام الغاية التي يستهدفها التشريع، وهي الإنتخاب وليس عدم الإنتخاب، فالنصاب ينطوي على تنظيم الإنتخاب ولا يرمي إلى إعاقته، ولذلك، يحتمل التفسير الإيجابي الموسّع لصالح إجراء الإنتخاب. فالنصاب لا يمكن أن يتّخذ مطلقاً كحائل قانوني دون الإنتخاب».

 

ويستعيد التجارب التي «ثَبُتَ من خلالها، لا سيّما في مناسبة الإنتخابات الأخيرة لرئيس الجمهورية، أنّ عدداً من النواب يستفيد من غياب النصّ الصريح في المادة 49 من الدستور اللبناني المتعلّقة بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث اكتفى المشرِّع الدستوري بذكر الغالبية، إفتراضاً منه أنْ لا حاجة لفرض النصاب على اعتبار أنّ الإنتخاب سلطة واجبة الممارسة من النواب». لكن للأسف في الحالة اللبنانيّة كان لا بدّ لذلك المشرّع أو لأيّ مشرّع آخر قد يعمل على تطوير الدّستور، أن يضع قيوداً وضوابط على عمل النائب وكلّ مسؤول في الدّولة اللبنانيّة تفرض عليه ممارسة الواجبات المناطة به تحت طائلة إقالته من وظيفته العامّة.

 

وفي مسألة التعطيل يرى مرقص أنّه «لما كان عدد من النواب قد توخّی استخدام تعطیل النصاب، كوسيلةٍ للتعبير السياسي وللتعبير عن خياراته الإنتخابية عوض اللجوء إلى التعبير عن خياراته السياسية والإنتخابية في الموقع الصحيح، فقد أسفر عن تعطيل التئام المجلس وخلاء سدة الرئاسة». وهذا بدوره ما أوصل البلد إلى حالة الفراغ وليس الشّغور؛ ما ترك تداعيات سلبيّة جدّاً على صورة لبنان الدّولة والجمهوريّة انعكست قلّة ثقة في الميدانين العربي والدّولي.

 

ويختم حديثه موضحاً كيفيّة تجنّب الفراغ في الحكم انطلاقاً من روحيّة وفلسفة دستور «الطائف»؛ فيلحظ أنّه «ثمة قاعدة تحكم عدم الفراغ في الحكم، ألا وهي استمرار عمل المرفق العام الدستوري بمعنى أنّه لا انقطاع في الحكم. جلّ ما في الأمر أنّ السلطة الآفلة وهي هنا الحكومة، عليها التزام الحدّ الأدنى من أعمال الحكم الضرورية لتسليم الشرعية إلى من يخلفها، ليس إلّا».

 

لذلك، لا يمكن مستقبلاً لأي مشرّع في لبنان ألّا يأخذ في الحسبان هذه النوايا غير النظيفة. وحذارِ أن يكون ما يراد منها تدمير القاعدة الوجوديّة التي قام عليها هذا البلد!