IMLebanon

حتى «14 حزيران» يخلق الله ما لا تعلمون؟!

 

قبل 6 ايام على الحلقة الـ12 من مسلسل انتخاب الرئيس، على اللبنانيين أن يكونوا مستعدين لمختلف السيناريوهات العجيبة والغريبة. فالمواجهة المفتوحة تسمح بكثير مما يُقال ولا يُقال. وهو ما يدعو لترقّب كل المفاجآت في ظلّ فقدان كل أشكال الديموقراطية. فما هو متبادل من مشاريع يختلط فيها ما هو دستوري بما يمكن فرضه بقوة الأمر الواقع على قاعدتي «يخلق الله ما لا تعلمون»، وأنّ «الضرورات تبيح المحظورات». وهذه عينة مما هو مُنتظر؟

لا يمكن لأي من المراقبين ان يقدّم صورة واضحة أو مجرد «مشروع سيناريو» للجلسة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري لانتخاب الرئيس في الرابع عشر من حزيران. فحال الترقّب تدفعهم إلى مجاراة التطورات يوماً بعد يوم وربما ساعة بساعة. فالأجواء المتشنجة التي لا تستند إلى أي شكل من أشكال النظام البرلماني الديموقراطي سمحت وتسمح بكثير مما يطيل أمد خلو سدّة الرئاسة من شاغلها. فما اعتاد عليه بعض اللبنانيين في ظلّ الشغور المتمادي، ليس على مستوى الرأس الأول في الدولة اللبنانية وحسب، بل في مواقع حسّاسة، استدعى ان يتأقلم اللبنانيون مع المظاهر غير الطبيعية وغير العادية، وبات أي تصرّف قانوني او دستوري او تلبية لأبسط حقوق الانسان محطّ إعجاب لا بل يستحق التكريم والتفخيم بناءً لطلب واضعه إن لم يبادر احد المنتفعين إلى القيام بهذه الخطوة.

قد يكون في هذه المقاربة مزيج من الوقائع المرّة وتلك المنتظرة، وما هو متوقع من مفاجآت محدودة ومحصورة جداً، فالتطورات توحي بمزيد من السيناريوهات المبنية على حروب صغيرة وأخرى كبيرة، تستهدف المرشحين الأساسيين الذين يستعدون لخوض السباق إلى قصر بعبدا. ولذلك لم يوفّر أي من طرفي النزاع بعد أي وسيلة دعم، حتى تلك التي يمكن إدراجها في خانة الحرب النفسية، وقد جنّدت لها مختلف الوسائل الاعلامية، كما وسائل التواصل الاجتماعي، من دون التثبت إن كانت ستؤتى ثمارها على مستوى المواجهة المفتوحة من أجل استمالة المتردّدين الواقفين عن سابق تصور وتصميم في المنطقة الرمادية الوسطية، او بهدف تعزيز الانقسامات في صفوف بعض الكتل النيابية لإظهار مدى تفسخّها التلقائي او تلك المعرّضة للتفكيك، بهدف ثنيها عن مواقفها وتعديل موازين القوى قبيل فتح صندوقة الاقتراع.

وأمام هذه الصورة الفسيفسائية بما تحمله من غموض، ينصح المراقبون من أصحاب الخبرة بعدم الحسم في أي معطى يمكن ان تترجمه جلسة الرابع عشر من حزيران مهما تعدّدت التكهنات وتشعبت مظاهرها. فحدّة المواقف المعلنة وتلك التي ما زالت تنتظر حدثاً ما يؤدي إلى تبدّلها او ثباتها في مكان ما إلى جانب هذا او ذاك من المرشحين، باتت رهناً بمجموعة من الانتظارات الداخلية كما الاقليمية والدولية الغامضة. فإلى التشتت الداخلي والمخاوف من تقدّم أي من المرشحين، الوزيرين السابقين سليمان فرنجية او جهاد أزعور، بما يقترب من النصف زائداً واحداً مع ترجيح كفة الثاني ولو بنسبة أقل، تلامس بمؤشراتها هذه «الواقعة الخطيرة» إن تحققت في الجلسة الانتخابية الاولى التي يُعتقد انّها ستكون مكتملة النصاب القانوني في حال حافظ المتردّدون على نسبة عالية من «الغموض البنّاء» الذي يحول دون مقاطعتها. ذلك انّ الطرفين متيقنان من استحالة فوز أي منهما في هذه الجلسة، وانّهما سيبقيان بعيدين عن نسبة الثلثين زائداً واحداً المطلوبة فيها، فأيام العجائب ولّت. لكن وفي الوقت نفسه، هناك من يخشى أن يدفع الفارق الكبير بينهما إلى فرض اللجوء الفوري إلى الدورات التالية. والأخطر إن نال المتفوق نسبة النصف زائداً واحداً ولو بقليل من الأصوات عند إقفال صندوقة الاقتراع. فمثل هذه الواقعة ستُحرج الطرف الخاسر بطريقة لا ترحم، وتمنعه من الإقدام على تعطيل النصاب القانوني للحؤول دون الضربة القاضية. وعليه فإنّ «الثنائي الشيعي» وحلفاءه، سيكونون في الموقع الذي لا يُحسدون عليه إن تقدّم أزعور لهذه الدرجة. فيما لا يمكن ان يكون الأطراف الآخرون محرجين إلى هذه الدرجة بالنظر الى فقدان ما يوحي بإمكان تحقيق عكس ما هو متوقع. فالتوقعات المشتركة والأكثر واقعية تستبعد ان تتبدّل المواقف إلى الدرجة التي تطمئن فريق الممانعة إلى مثل هذه المعادلة باعترافهم قبل ادعاءات الفريق الآخر.

وأمام هذه المعادلة الدقيقة التي لا توحي بإمكان الظفر بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، لا يمكن مقاربتها بدقّة من اليوم. ولذلك ليس من السهل الحسم في إمكان ان نشهد هذه النهاية الحميدة ما لم تتوافر كلمة السرّ الخارجية، إقليمية كانت أم دولية، والتي يمكن ان تحسم الامور. فجلّ ما ينتظره أصدقاء لبنان أن تكون محطة الرابع عشر من حزيران فرصة ذهبية لن يفرّط بها اللبنانيون وهم ممن اشتهروا بإضاعة مثل هذه الفرص على انواعها، سواء كانت ذهبية أو برونزية وربما النحاسية منها، وانّ التجارب السابقة لا تُحصى ولا تُعدّ. ففي كثير من المحطات أثبتوا ذلك، وهو ما رفع عدد القضايا الخلافية العالقة الى اعلى مستوى في لبنان.

وأمام الاستعصاء الداخلي، يعتقد المغالون من طرفي النزاع عند قراءتهم للمشهد الانتخابي، ولاسيما المعارضون منهم، انّ مواقفهم ساهمت في ضرب المبادرات الدولية والفرنسية منها بنوع خاص، وهو أمر لا يمكن البتّ به من اليوم، طالما انّ فرنسا لم تعلن بعد عن تراجعها عن اقتراحها بترشيحها المزدوج لفرنجية ونواف سلام. وانّ من راهن من فريق الممانعة عبر عدد من منظّريه في آخر ما هو متداول من تسريبات على موقف روسي حاسم، فإنّ ذلك ما زال مستبعداً في ظلّ العقوبات التي ارتفع منسوبها أخيراً على موسكو. فهي على الأقل ما زالت على خلاف مستحكم مع باريس وواشنطن أحد أبرز أعضاء «لقاء باريس الخماسي»، وأنّ النأي بالنفس الذي مارسته السعودية حتى اليوم بطريقة ظهرت انّها على «تقاطع» مع طهران، لا يمكن ان تؤدي إلى إعطاء موسكو أي دور حاسم في المواجهة في مثل الستاتيكو القائم والمعقّد.

وإلى هذه المعطيات، فإن كان هناك من فكّر وروّج بإمكان إحياء «السين ـ السين»، فمن نظر إلى هذه المعادلة قد ربط لسانه أخيراً لألف سبب وسبب. ولعلّ في ما رافق وما انتهت اليه زيارة الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون إلى دمشق في الساعات الماضية، ما وفّر لهم مزيداً من القناعة الدائمة باستحالة مثل هذا السيناريو حتى في وقت قريب. وهو ما التقوا عليه مع زوار طهران والرياض ايضاً اللتين تركتا الساحة اللبنانية للقوى الداخلية، على الرغم من الفوارق مما يمكن ان تفعله طهران وتعجز عنه الرياض وحلفاؤها. فالحديث عن تداعيات «تفاهم بكين» بينهما لم ولن تصل إلى لبنان بعد، ما لم يقدّم الخليجيون عروضاً مباشرة تؤكّد انّ لهم القدرة على تحقيق التوازن المطلوب على الساحة اللبنانية الداخلية بالتفاهم مع من يمثلها، فإنّ قدرة طهران ما زالت متفوقة عليها. ولعلّ في بعض الأحداث الأمنية والتشنجات السياسية وما يؤدي إلى رفع منسوب التشنج الطائفي والمذهبي مؤشرات تُبعد مثل هذه التجربة، ولكنها لا تسمح بالقول انّ الساحة قد خلت للفريق الآخر. وهنا تكمن حقيقة المواجهة القائمة كما تراها عيون ديبلوماسية وسياسية، بين مشروع ديموقراطي يتعثر ولا تتعدّى إنجازاته عدم السماح بفرض ما يناقضه.