IMLebanon

الجلسة الرئاسية تحت الرقابة الأميركية

 

 

لن تُفضي الجلسة النيابية التي حدّدها الرئيس نبيه بري لانتخاب رئيس جديد للجمهورية الى أي نتيجة حاسمة إزاء الازمة الرئاسية المستمرة منذ اكثر من سبعة أشهر، وعدا التسابُق الحاصل لتأمين «سكور» نيابي أعلى من المرشح المقابل، فإنّ الانتظار سيبقى سيّد الموقف تَرقّباً لحركة دولية حاسمة تؤدي الى إحداث الخرق المطلوب.

صحيح انّ الكتل النيابية والقوى السياسية والحزبية ستعمد إلى توظيف الارقام التي ستظهر في الجلسة الرقم 12 لمصلحة مرشحها وفي سياق حملتها لتهميش المرشح المقابل، الّا انّ العَين تبقى فعلياً على التحركات الخارجية على الرغم من الاقتناع بأنّ التحرّك الدولي الحاسم في اتجاه لبنان سيستهلك بعض الوقت، وربما أشهُر فصل الصيف كلها.

ذلك انّه معروف بأنّ تموز وآب المقبلين هما شهرا الإجازات السنوية للمسؤولين والموظفين الرسميين الكبار في واشنطن والعواصم الاوروبية. وفي العادة، فإنّ الحركة الرسمية تصبح في أدنى نشاطها، وهو ما يُطاوِل الحركة الديبلوماسية والمشاريع السياسية. اضف الى ذلك العطلة الصيفية للنشاط السياسي والديبلوماسي على مستوى العواصم الخليجية، ما يعني أنّ الملف اللبناني، الذي لم يجد له في الاصل مكاناً وحيّزاً جدّياً على مكاتب المسؤولين الدوليين الكبار، سيجري تأجيله الى حين انقضاء اجازات فصل الصيف في انتظار استعادة النشاط المطلوب مطلع ايلول المقبل.

وقد يكون الجديد الوحيد على مستوى العواصم الغربية المهتمة بالملف اللبناني، هو أنّ المسؤولين المباشرين عن الملف اللبناني سيعمدون الى متابعة تفاصيل الجلسة النيابية المقبلة بكل تفاصيلها والرسائل التي ستحملها وبناء الاستنتاجات حولها، وضَمّها الى فتحة نهاية فصل الصيف.

وفي المناسبة، فإنّ هذه العواصم لا تبدو مقتنعة كثيراً بأنّ الفريق الداعم لترشيح سليمان فرنجية سيقدم على الاقتراع له في وضوح كما أعلن بري. ولأنّها تُشكّك في ذلك، فهي تعتقد أنّ هذا الفريق سيلجأ للاختباء خلف الورقة البيضاء. وفي انتظار ذلك، فإنّه لا بدّ من رَصد الزيارة التي ستقوم بها وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا الى السعودية، حيث تحمل في حقيبتها الملف اللبناني الى جانب ملفات اخرى. وقد تحمل هذه الزيارة مؤشرات جديدة خصوصاً انّها تأتي بعد التعديل الذي طاوَل مبادرة ماكرون الرئاسية في لبنان، والمستجدات التي وضعت جهاد أزعور في مواجهة فرنجية.

وفي هذا المجال لا بدّ من الإشارة الى قيام الرئيس الفرنسي ماكرون ليل أمس بإقامة إحتفال وداعي لموفده للملف اللبناني بيار دوكان الذي أُحيل الى التقاعد في قصر الاليزيه، في اشارة الى اهتمامه بمكانة لبنان لديه، والى تعيين ممثل جديد له مكان دوكان هو جان -إيف لودريان، وهو وزير سابق للخارجية، ما يؤكّد مرّة جديدة المكانة الخاصة للملف اللّبناني لدى الرئاسة الفرنسية.
وفسّر البعض هذه الخطوة بأنّها بمثابة إزاحة باتريك دوريل بطريقة لبقة عن مهمّته اللبنانية لصالح لودريان الذي سيزور لبنان قريباً.

وقبل كولونا كان وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن قد حَطّ رحاله في السعودية، حيث التقى ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان طويلاً. وليس خافياً انّ ادارة جو بايدن التي بدأت تعيش اجواء الانتخابات الرئاسية المحدّدة بعد اقل من سنة ونصف، تركّز في المرحلة الحالية على ملفين اساسيين في المنطقة، وهما الملف السعودي وملف الاتفاق النووي مع ايران. بلينكن كان قد استبَقَ زيارته الى المنطقة بالاعلان أنّ ادارته ملتزمة بمنع ايران من الحصول على السلاح النووي، واضاف قائلاً بكلام يحمل كثيراً من المعاني: انّ الديبلوماسية الى جانب الضغط الاقتصادي واستخدام الردع، وهي افضل وسيلة لتحقيق الاتفاق المطلوب. لكن الضغوط الاقتصادية لم تكن مشدّدة بما فيه الكفاية، فعلى سبيل المثال فإنّ ايران صَدّرت العام الماضي كميات كبيرة من النفط من خلال التحايل على العقوبات، حيث ناهَزت القيمة نحو الـ50 مليار دولار، ومعظم هذا التصدير كان في اتجاه الصين. وبلينكن الذي تَزامَنَ وصوله الى السعودية مع اعادة افتتاح السفارة الايرانية في الرياض بجهود صينية، يعرف جيداً انّ ادارته لم تقم بفرض عقوبات جديدة وحازمة تؤدي الى إقفال مسارب تهريب النفط الإيراني في اتجاه الاسواق السوداء، وايران تدرك النيّة الاميركية لعدم القيام بذلك. ذلك انّ ادارة بايدن لا تزال تراهن على تفاهم عريض مع طهران من خلال بوابة الاتفاق النووي، وهو ما ظَهر حوله عدد من المؤشرات خلال الاسابيع الماضية حول الاقتراب من التوصل الى اتفاق. وأحد ابرز هذه المؤشرات، التوتر الذي يسود الحكومة الاسرائيلية. وواشنطن سمعت تكراراً من الحكومة الاسرائيلية أنّ الخطر الايراني يصبح كبيراً على أمنها، خصوصاً مع حضور عسكري قوي لـ»حزب الله» عند حدودها الشمالية وتحت مظلة نووية ايرانية. ادارة بايدن كانت قد قدّمت لإسرائيل في السابق اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل. وعَدا المردود النفطي الكبير، فإنّ الاتفاق يمنح هذه المنطقة استقراراً عسكرياً للمراحل المقبلة، لكنه يبقى استقراراً هشاً في حال إبقاء نفوذ «حزب الله» قوياً داخل السلطة اللبنانية، وفق ما تردّده اوساط ديبلوماسية اميركية.

واذا أضَفنا على ذلك التمدّد الذي حققته ايران في سوريا بعدما أحسنت استغلال الفوضى الحاصلة بسبب الحرب القائمة، فإنّ واشنطن تبدو مقتنعة بضرورة المساعدة في بناء توازنات سياسية جديدة على مستوى السلطة في لبنان لا تُشبه تلك التي قامت منذ العام 2016، تاريخ دخول العماد ميشال عون الى قصر بعبدا.

وتبدو واشنطن مقتنعة بالكامل بذلك، بعدما ركّزت ايران ومعها «حزب الله» أقدامها جنوب سوريا، حيث جرى اطلاق صواريخ في اتجاه اسرائيل في اكثر من مناسبة. كما انّ الحضور الايراني الذي أضحى قوياً استهدفَ القوات العسكرية الاميركية في سوريا، لا سيما في الآونة الاخيرة. وهو ما يعني وجوب معالجة الواقع في سوريا وايضا في لبنان، ما يَستدعي رَسم تفاهمات جديدة مع روسيا اللاعب المؤثر جداً على الساحة السورية اضافة الى ايران وايضا السعودية.

وفي لبنان، شَهد النصف الثاني من ولاية عون انفجاراً شعبياً بسبب الفساد وسوء ادارة السلطة والمحاصصات التي بلغت مستويات قياسية. وتَبعَ ذلك انهيارات اقتصادية وكوارث معيشية وانفجار هائل في بيروت آثرَت العواصم الغربية الى عدم مَد يد المساعدة، كونها وجَدتها فرصة لتدمير هيكل السلطة على رؤوس قاطنيه قبل الشروع في بناء هيكل جديد. وعُرفت الخطة يومها بخطة تفكيك السلطة والمؤسسات قبل اعادة تركيبها مجدداً. لكن الانتخابات النيابية أظهرت انّ المنظومة الحاكمة لا تزال قوية وقادرة على التلاعب بقسم من اللبنانيين، وهي مَدّت يد المساعدة بعضها لبعض لإنقاذ حضورها البرلماني وإجهاض اي تغييرات كان من المُفترَض ان تحصل.

ومع استحقاق رئاسة الجمهورية بَدا انّ اطراف الطبقة السياسية مُتفاهمة على منع اي احتمال بالتغيير والاستمرار في تثبيت أقدامها. وثمة استنتاجات بأنّ الانهيار الكامل لم يحصل في لبنان لكي يجري البناء على أنقاض البنيان القديم. ذلك انّ التغيير يتطلب تفككاً كاملاً، وهو ما لم يحصل بعد. وان لذلك اسباباً عدة، أبرزها قدرة اللبنانيين المدهشة على التكيّف مع الازمات والاهوال، وابتكار الحلول لأسوأ الازمات والكوارث وأبشعها، اضافة الى قدرة الطبقة السياسية على تخديرهم وإبقائهم خاضعين لإرادة اطرافها. وكذلك لقدرة اللبنانيين على التواصل مع الاغتراب الواسع والقادر على تأمين «الاوكسيجين» المطلوب للاستمرار، وحيث تتحدث التقديرات عن تحويلات سنوية تفوق الـ6 مليارات دولار.

لذلك، فإنّ التفكير بالاستحقاق الرئاسي اللبناني من دون الاخذ في الاعتبار وجوب البدء بنسج معادلة جديدة في السلطة تفتح الباب امام بداية جديدة، قد لا يكون مُجدياً، وهو ما يعني استمرار التآكل الداخلي، حيث ستشكّل محطة نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان معبراً نفسياً ومالياً اساسياً.