IMLebanon

ترشيح فرنجية إعلان لسقوط التسويات

 

أفصح الرئيس نبيه بري عن مرشحه لرئاسة الجمهورية الوزير السابق سليمان فرنجية داعياً الفريق الآخر الى تسميّة مرشح أو مرشحيْن قبل دعوة المجلس النيابي لجلسةإنتخاب جديدة، موصّفاً الجلسات الإحدى عشرة السابقة بجلسات المهزلة. يدرك الرئيس بري إنّ إعلان ترشيح فرنجية يجب أن يؤدي الى عدم مقاطعة الكتل التي رشحته جلسة الإنتخاب، الأمر الذي سيُفضي الى انتخاب رئيس جديد وهو ما لا يتناسب مع ما يرومه حزب الله ومن خلفه طهران.

آثر الرئيس بري توصيف مرشّح الفريق السيادي «بالتجربة الأنبوبية» غير آبه بعشرات الأصوات التي نالها وبالكتل التي إقترعت له مضيفاً الى عبارة « مادي إجرا من الشباك» التي استُخدمت في إحدى جلسات إنتخاب الرئيس ما يُغني الإرث التشريعي. الموقف الذي يريد فريق طهران إعلانه للخارج قبل الداخل أنّ لا جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية إلا بعد انسحاب كلّ من سوّلت له نفسه بالترشّح وتحوُّل فرنجية الى مرشّح إجماع يسلّم به الجميع وينبغي التعامل معه تقديراً للتوافقية اللبنانية الفذة. وبعبارة أدق إعلان تعليق جلسات الإنتخاب حتى إنجاز عملية التحوُّل المذكورة علاجياً وربما جراحياً.

تقتضي الواقعية السياسية أن نفهم الشغور الرئاسي كأحد مظاهر الخواء الوطني المزمن وانتفاء أبسط مظاهر السيادة الوطنية في السياسة والأمن والإقتصاد، وأن نتوقف عن إعتبار الحالة اللبنانية كأنها حالة شاذة أُسقطت علينا من خارج سياق ديمقراطي طبع حياتنا السياسية. ما نحن عليه يشبهنا وهو نتاج طبيعي لمسار إختاره اللبنانيون منذ عقود إقتراعاً في الإنتخابات النيابية، وسلكه السياسيون فساداً وإفساداً أو تقاعساً وتواطؤاً وجبناً في ممارسة واجباتهم الدستورية، وهو من جهة أخرى إستنساخ لحال السلطة في دول الجوار التي تؤلّف حكوماتها ويُنتخب رؤساؤها ويُعيّن موظفوها تحت وطأة قوى أمر واقع تأسسّست على تباينات داخلية وتتوسّل أوهاماً تفيض خارج الحدود لفرض معادلاتها. ألا ينسحب ما نحن عليه على سوريا والعراق واليمن وإيران مع اختلاف أشكال وتقنيات نماذج الهيْمنة المستخدمة؟ ألم تُفضي أشكال الإرتهان أو التطاول الإقليمي في هذه المجتمعات إلى تلاشي حكم القانون والى إنهيارات في الإقتصاد والأمن والى استشراء المذهبية وسقوط قيْم المساواة والعدالة بما أعادها الى ما قبل عصر البداوة؟

وبعد كلّ ذلك هل يمكن البحث عن إخراج لبنان إستثنائياً من الوضع القائم بأدوات محليّة؟ حتى التوافقات الإقليمية بدورها لم تعد كافية في ظلّ التوتر والقلق العارميْن على المستوى الدولي الذي تعيد قواه الرئيسية تقييم تحالفاتها بدقة مع الإقليم وتستعد لإقامة جبهات جديدة وإحياء خطوط تماس قديمة. فهل يُحتسب لبنان في ميزان القوى القائم على خلفية ما يصدر عن مسؤوليه من مواقف أو بما هو أحد الأدوات والميادين التي تستخدمها الجمهورية الإسلامية في شرق المتوسط؟

في ضوء هذا التداخل وربما التماهي بين الإقليمي والدولي، لم تعد معاينة المشهد المتوتر من بحر اليابان حتى شواطئ الأطلسي مروراً بالمحيط الهندي وبحر العرب ودول إفريقيا المتوثبة للخروج من عباءة الإستعمار الأوروبي ممكنة دون استشعار حالة القلق التي يعيشها أركان عالم ما بعد الحرب الباردة. لا شك أنّ قرار الإنتقال الى عالم جديد كان خياراً أميركياً، لكن ربما اعتقد منظرو الإدارة الأميركية أنهم قادرون على استيلاد العالم الجديد بطريقة سلسة تنساب مع متوالية من أحداث قابلة للسيطرة، وبما يسمح بتقويض إقتصادات القوى الصاعدة كروسيا والصين واحتواء أوروبا ورسم خرائط النفوذ الجديدة.

صحيح أنّ روسيا لم تنجح في شنّ حرب صاعقة تدفع حلف شمال الأطلسي بعيداً عن حدودها، لكن الرهان الأميركي على انهيار الإقتصاد الروسي أمام أعباء الحرب والعقوبات الإقتصادية والموقف الأوروبي الموحّد فشل بدوره فشلاً ذريعاً. يُلقي القلق الذي تتقاسمه القوى الكبرى بثقله على طرفيّ خطوط تماس مرتقبة تمتد من الكوريتيْن حتى الصين وصولاً الى مسرح العمليات الأوروبي في أوكرانيا ومروراً بدول الخليج العربي والجبهات النازفة في الشرق الأوسط . ومع تعثر تحقيق نجاحات في الميدان الأوكراني وبداية التململ الأوروبي من قساوة أعباء الحرب على الإقتصاد، تنشط الدبلوماسية الأميركية المتوترة في البحث عن مسوّغات لإحياء خطوط تماس قديمة أو إنشاء جبهات جديدة قد يكون الشرق الأوسط أحد مسارحها.

تستشعر طهران ضرورة التواجد على أحد خطوط التماس المفترضة وتحاول تعويض فشلها في إحداث إختراق خليجي من خلال استباحاتها في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ففيما ينجح العراق في تحقيق نجاحات محدودة تؤسّس للخروج عن طاعة طهران وفيما يفشل الرهان على الرئيس بشار الأسد في إمكانية عودته الى العالم العربي وتوقف زخم التقارب مع سوريا، يصبح ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية من قِبل الرئيس نبيه بري والعزوف عن تعيين جلسة إنتخاب جديدة تعبيراً صريحاً عن حاجة طهران الملحّة لإنتصار في لبنان وليس لتسويّة.

فهل من جدوى لإستمرار الدعوة للحوار، قد تكون الدعوة لحفلة تعارف بين اللبنانيين هي الأكثر إلحاحاً…..

 

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات