IMLebanon

برنامجُ الرئيس والرئيس البرنامج

 

كنّا حلقة من الأصدقاء، وبعضاً من عشَّاق لبنان القُدامى، ولا نزال نتواصل، نتشاور، نتبادل المرارات لما آلتْ إليه حال لبنان مِـنْ هَوَان.

وقد فقَدتْ هذه الحلقة جان عبيد، الكبير الذى انطوى كما العلَم وهو يعضّ على نـزْفِ الجراح.

ونكادُ اليوم لا نصدّق أنّ لبنان الذي استمرّ صاعداً واستمرّ صامداً على مـدى ستّـةِ آلافٍ من السنين، قد انهار دفعةً واحدة في غضون السنوات الستّ، كأنَّـنا معه في حلم من أحلام ألـف ليلة وليلة.

هذا اللبنان، منذ أنْ أشرق وهو يُطْفيءُ الظلمة ويخوض العراك بين الحضارة والجهل وبين المدنيّة والتخلّف، فكيف انطفأتْ إشراقة لبنان ليحلّ فيه التخلّف والظلام…؟

لعلّ هاجس الفضول جعلني مشدوداً إلى مراجعة خطاب القسَم للرئيس ميشال عـون لعلّني أستكشف ما إذا كان الرئيس يستشرف فيه ما يخبِّئـهُ لنا الغـدُ في رحاب هذا العهد.

وقرأت الخطاب كمثل ما كنّا نحلّل النصوص الفلسفية بالنقد الأدبيّ والعلمي، وحين فرغْتُ منه تساءلت: كيف أنَّ لبنان لم يكـن كما غنّـاهُ وديع الصافي: «لبنان يا قطعة سما»، وغاب عني خطابٌ رئاسيّ آخـر يقول: «لبنان قطعة من جحيم» .

خطاب القسم يشكّل عادةً ملامح خريطة الطريق للمسيرة الرئاسية: «أحلف بالله العظيم أني أحترم دستور الأمّـة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».

«أحلف باللـه العظيم» هي وقفةٌ إيمانية أمام رهبة اللـه، والتزامٌ وجداني، أخلاقي، دستوري، بالحفاظ على الوطن حتى أن الرئيس بشارة الخوري كما جاء في مذكرّاته عندما راح يتلو خطاب القسم ترقرق الدمع من عينيه وبكى.

ولستُ أدري ما إذا كنّا سنبكي دمـاً عندما يغادر الرئيس عـون قصر بعبدا وقد جـفّ الدمع من عيوننا، أو أنّ الشعب العظيم لا يبكي، وإنْ بكـى فدموعُهُ من دم.

خطاب القسم لم يكن يوماً الصيغة الصالحة والصادقة لسلوكيةِ الرئيس ونهجه.

وليُسمحْ لنـا بمعارضة الذين يطالبون المرشح الرئاسي بإعلان برنامجه للحكم، وكأنّما هم يحكمون على الرنامج في معزل عن شخصية الشخص، فيما الأصحّ الأجدى أنْ يطالبوا بالرئيس البرنامج لا ببرنامج الرئيس.

برنامج الرئيس قد ينطوي على البديع من المعاني، والسحر في البيان والشهيِّ من الكلام، حين الرئيس بالممارسة قد يحلّل لنفسه اشتهاء كل ما يحتوي فردوس الرعية من تفاح.
الرئيس البرنامج الذي يحتاجه لبنان هو الذي يحمل الشعلة بشجاعة لا ليحرق بل ليُضيىء، فإذا شخصيتهُ السياسية والمعنوية والثقافية والأخلاقية تتكامل بالتفاعل، فلا يسيطر المنصب عليه، بل تكون جاذبيتُه أقـوى من جاذبية الكرسي.

الرئيس البرنامج، يكتب هو بنفسه لنفسه، ولا يكتبون لـه ما في نفوسهم لنفوسهم: «وأقرأ باسم ربّـك الذي خلق»، وليس كل رئيس جبران ليقول: أنا «لـم أكتب النبيّ بل النبي كَتَبني».

خطيئـةٌ وطنية تاريخية لا تُغْتـفر لأصحاب القرار، إذا هم كرّروا سوء الإختيار في انتخاب الرئيس العتيد، فتكون أصواتُهمْ في الإقتراع مذابح.
وكفانا اللـه شـرَّ ما قاله الشاعر:
فإذا يكونُ أميرُنا ووزيرُهُ وأنا، فإنَّ الرابعَ الشيطانُ.