IMLebanon

عن خيط التفاؤل الرفيع والأسماء البديلة لرئاسة الحكومة

 

 

لا ضبابية أكثر من تلك التي تتسّم بها الأجواء العامة في لبنان حالياً. قلق عارم ينتاب الجميع من المجهول في ظل عدم وجود إجابة واضحة لدى اللاعبين السياسيين في البلد على الأفق المالي أو السياسي الذي ستؤول إليه الأوضاع، ليبقى السؤال الأساسي الذي يشكل محور الحراك السياسي اليوم: هل يقبل رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري تكليفه مجدداً بتشكيل حكومة جديدة أم لا؟ وهل بدأ يلوح فعلاً في الأفق خيط نتائج إيجابية؟

 

قد يكون الحريري أكثر المسؤولين اللبنانيين إرباكاً في موضوع قبول إعادة التكليف من عدمه. فالحجج لم تعد تسعفه في تبرير زهده بالمسؤولية رغم أن “لبن العصافير” أُعطي له كما نُقل عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وأن مقاربةً ميسّرة ومحاباةً لينة يتعاطى بها “حزب الله” معه لم يعتمدها مع أحد سواه، وصبراً قلّ نظيره أبداه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي تمهّل بإطلاق موعد الاستشارات النيابية الملزمة للتكليف. رغم ذلك تمسّك الحريري بإبداء تمنّعه عن العودة إلى السراي، ملتزماً عدم الإفصاح عن خلفيات موقفه، وكأننا أمام تكرار لموقف شبيه بيوم أعلن استقالته من الرياض العام 2017. صحيح أن الشارع اللبناني يمرّ بحراك لم يعرف اللبنانيون مثيلاً له من قبل إلا أن السبب وراء استدارة الظهر يبدو غير مقنع حتى الساعة.

 

حتى اليوم أجاد الرئيس المستقيل المناورة، في محاولة لتحسين شروطه. مفاوضات ومشاورات كانت تدور في حلقة مفرغة حتى بات فريق الثامن من آذار على قناعة بأن الضغوط التي يتعرض لها الحريري أكبر من أن تدفعه لقبول المسؤولية. بدأت الأجواء سوداوية، لولا الانفراج الضئيل الذي لوّح بطيفه، والذي ربطه البعض بالأجواء التي بدأ يتلمسها الحريري والتي كانت تشير إلى أن معطيات فريق الثامن من آذار بدأت تتحول لغير صالحه، وأن تمنّعه يعني أن ثمة جهات تريد منه ذلك. فهم الحريري أنه بات من السهل خروجه من الحكومة ولذا لن يتم تقديم أي تنازل إضافي بعد اليوم وبناء عليه إما يقبل بآخر الشروط أو هناك شخصية بديلة ومقبولة دولياً وعربياً، خصوصاً أن المجتمع الأوروبي متمسك ببرنامج الحكومة الذي سيقدم وليس بشخص الحريري.

 

ولكن وسط السلبية، جاء من يتحدث عن خيط رفيع يفصل لبنان عن مفاجآت قد تكون إيجابية، وعن خرق حصل لمصلحة التفاهم مع الحريري. وتحدث مصدر معني بحركة المشاورات الدائرة عن وجود فرصة لإعادة إنتاج تسوية بالموضوع الحكومي تراعي مصالح الجميع من الحريري إلى الحراك إلى الأطراف السياسية المعنية. على أن هذه الفرصة إذا حصلت فستكون محصّنة بإرادة خارجية روسية فرنسية وأميركية، ولهذا السبب تعمّد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أمس الأول عدم التطرّق للموضوع إفساحاً في المجال أمام تسوية يجرى العمل عليها تراعي المتطلبات المستجدة في الشارع، مع الحفاظ على التوازن الذي أوجدته نتائج الانتخابات النيابية وتمثيل الحريري للأكثرية السنية، كي تأخذ الاتصالات الحاصلة مداها قبل أن يذهب البلد باتجاه خيارات بديلة، خصوصاً أن اعتذار الحريري عن التشكيل قد يدخل البلد في منحى خطير وأي طرف لن يكون قادراً على تحمل تبعاته، وقد تستمر حكومة تصريف الأعمال إلى ما لا نهاية.

 

مرحلة يتجنبها “حزب الله” وحلفاؤه محاولاً تدوير الزوايا قدر الإمكان. وكان لافتاً أنه طوال فترة المفاوضات تجنّب الثنائي الشيعي الدخول في لعبة الأسماء والتسميات البديلة، على عكس الحريري الذي أبلغهم انه في حال لم يكن هو رئيساً للحكومة فبإمكانهم تسمية اسم من ثلاثة، نواف سلام أو سمير حمود أو فاطمة الصايغ. في المقابل كان من بين الأسماء التي اقترحها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل فؤاد مخزومي، جواد عدرا، محمد الصفدي، وليد علم الدين، وعصام بكداش.

 

وفق قناعات “حزب الله” كانت البلاد مقبلة على انقلاب يطيح الحكومة والمطلوب بعدها النيل من العهد لتنتقل المعركة إلى مواجهته مباشرة. ومن هذا المنطلق عمل جاهداً لاقناع الحريري بعدم الاستقالة. في خطابه طرح السيد حسن نصرالله مسألة الفساد ليشكل قاسماً مشتركاً مع الحراك، داعياً إلى مشروع متكامل متعدّد الأوجه على قاعدة المشاركة معه. وإذ عرض لوجهة نظره حول مسؤولية الأميركيين عن أزمة البلد، قدّم رؤية استراتيجية بعيدة المدى عن خيار بديل للأميركي يتطلب وقتاً لبلورته. ومن هنا جاء حديثه بمثابة الهجوم المعاكس انطلاقاً من فكرة التخطيط لتغيير كل الاستراتيجيات الاقتصادية والانفتاح أكثر على الصين وروسيا.