IMLebanon

من يسبق إلى السجون الكارثة أم الدولة؟

 

تصدر جرّاء أزمة فيروس «كورونا» تحذيرات من جهات مختلفة من تداعيات كارثية على لبنان واللبنانيين جميعاً إذا دخل الفيروس إلى السجون اللبنانية، حيث لدينا نحو 9 آلاف سجين يتوزعون بين النظارات والسجون، في حين يوجد في السجون حالياً 7062 سجيناً.

تؤكد وزيرة العدل ماري كلود نجم لـ«الجمهورية» انّ عملها ووزارة العدل يتركز على 3 مستويات:

 

أولاً، على الخطة الوقائية في السجون، وستلتقي في هذا الإطار مع وزير الداخلية محمد فهمي، علماً انّ التدابير التي اتخذت حتى اللحظة كانت فاعلة لكن من الطبيعي انّ هناك تخوّفاً من تفشّي الوباء. لذا طلبت من المجلس الاعلى للدفاع أن يُصار الى منع الزيارات لمدة اسبوع او أسبوعين، ما عدا «الأحداث»، وتحدثت إلى مدعي عام التمييز ووزير الداخلية في هذا السياق.

 

ثانياً، من الناحية القضائية، «بدأنا العمل بإعداد مشروعَي قانون، الأول يقضي بإعفاء السجناء الذين أنهوا محكوميتهم من الغرامات لإطلاقهم. والثاني، مشروع قانون الإفراج عن السجناء الذين تبقّى من فترة محكوميتهم أقل من 6 أشهر أو 4». المشروع أحيل الى مجلس النواب وننتظر ليعقد جلسة له، ليبتّ به، والذي قد يؤدي إلى إطلاق نحو 122 سجيناً».

 

وتشير نجم الى أنها «طرحت على رئيس الجمهورية فكرة إصدار عفو خاص لمَن تبقّى من محكوميتهم فترة قليلة، وقد كان الرئيس متجاوباً»، موضحة انها في صدد القيام بالاجراءات القانونية اللازمة لتحقيق ذلك.

 

أما ثالثاً، فالعمل، بحسب نجم، جار على تسهيل إخلاء من لم تصدر بحقهم مذكرة توقيف، في حين انّ هناك اشارة من النيابة العامة لتوقيفهم، إلّا أنّ من حقهم ان يمثلوا امام قاضي التحقيق. لذلك، هناك تعليمات لاستجوابهم عن بُعد، حيث تم تجهيز دوائر التحقيق في المحافظات الست إلكترونياً، ريثما يكتمل التجهيز في كل المحاكم. كما تم تخصيص غرفة للاستجواب الالكتروني في كل غرفة تحقيق».

 

وتحذّر جمعية «نسروتو» Nusruto، أخوية السجون العالمية في لبنان (Prison Fellowship International – Lebanon) من أنّ السجون في لبنان قنبلة موقوتة. وينبّه عضو هيئتها الإدارية جان سعادة من أن أيّ عدوى لأي عنصر أمني يمكن أن تنقل الفيروس إلى داخل السجن، ونتيجة عامل الاكتظاظ لن تنفع أي معالجات وقائية وأي إجراءات، وعندها سنكون أمام كارثة على اللبنانيين جميعاً.

 

بدوره، يحمل اللواء أشرف ريفي، وهو وزير عدل سابق ومدير عام سابق لقوى الأمن الداخلي، رأياً متطابقاً مع رأي الجمعية. ويقول لـ«الجمهورية»: قبل مرحلة اللجوء السوري كانت السجون أكثر من مأسوية بل قنبلة موقوتة، واللجوء السوري أضاف نحو 35 % على عدد السجناء الأساسي. ما يعني أنه اضاف في المقابل نسبة 35 % من الملفات القضائية أمام القضاة. كنّا امام عدالة بطيئة، فتباطأت أكثر».

 

حلول استثنائية

 

تقول وزيرة العدل: «إن موضوع العفو العام شائك ويحتاج إلى دراسة معمقة ودقيقة، وإلى الوقت، لأنه يجب ان يكون وفق معايير محددة وواضحة تحافظ على حقوق المدعي أيضاً».

 

النائب السابق بطرس حرب يوضح أنّ «السبيل الأفضل لمعالجة الأزمة المزمنة في السجون، أي الاكتظاظ، هو إطلاق ورشة قضائية سريعة تحدّد فيها المعايير لإطلاق السجناء الذين يجب إطلاقهم. فالواقع يستدعي تدبيراً استثنائياً».

 

ويشدّد، عبر «الجمهورية»، على أهمية «وضع المعايير كي لا يُستغلّ الموضوع ويتم إعفاء تجّار المخدرات أو مَن اعتدوا على قاصرين أو مَن حاربوا الجيش أو مَن أخلّوا بالأمن القومي. من هنا، يُستحسن بوزارة العدل أن تقوم بهذه الورشة وهي التي تضع المعايير التي تفرّق بين نوع الجرائم»، مؤكداً أنّ «استمرار الحالة على ما هي عليه في السجون هو تسهيل لانتشار المرض».

 

أما اللواء ريفي فيطالب بـ«العفو أو إجراءات خاصة للافراج عن أكبر عدد من السجناء، خصوصاً لمَن لديهم جنحة أو مخالفة أو حق عام، بشكل انّ إطلاقهم لا يؤثّر في الأمن القومي الوطني».

 

ويؤكد أننا «نحتاج الى قرار غير تقليدي، لأنّ الوقت لا يسمح باتخاذ قرارات تقليدية. فالوعود بالعفو العام كانت واضحة ولم ينفذها أحد. لذا، نحن امام حالة استثنائية وسريعة. يمكن أن ينعقد مجلس الوزراء استثنائياً ويتخذ قرارات استثنائية. ويتم وضع خطة قضائية. فإمّا يصدر عفو عام يحدّد الحالات التي يعفى عنها، أو يتم إخلاء سبيل العديد من السجناء موقتاً، ما عدا الخطيرين وهم معروفون. الى حين الانتهاء من أزمة كورونا، فيُعاد استدعاؤهم الى التحقيق والمحاكمات».

 

من جهته، يرى سعادة أنّ الحلّ الوحيد هو عفو عام شامل يصدر عن مجلس النواب لتجنّب كارثة. وصدور هذا القانون يُخرج ما بين 4000 أو 5000 سجين لأنّ معظم الموقوفين في لبنان هم بجنح وليس جناية».

 

وإذ يشكر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي على اهتمامها بالسجناء وتعقيم السجون والوقاية، يشير إلى المسؤولية الكبيرة على الجسم القضائي الذي عليه اتخاذ إجراءات سريعة، منها:

 

– تسريع الأحكام.

– النظر في كل مَن مرّ على فترة وجودهم في السجن مدة طويلة، وإخراجهم وفق قواعد «حسن السلوك»، وهي قواعد نَصّ عليها القانون.

– الإبقاء على كل من هو مُخلّ بالأمن القومي وجرائم القتل عمداً.

 

ويشدّد على ضرورة وقف ما يُعرف بـ»القرار الظني»، الذي يتم على أساسه توقيف عدد كبير من الناس وإبقاؤهم في السجون من دون محاكمات أو تطول محاكماتهم، ما يشكّل سبباً مهماً للاكتظاظ، فيما كل دول العالم أنهَت هذا النوع من التوقيفات.

 

في السياسة

 

«في الظروف الطبيعية، كل الملفات تخضع للتجاذبات السياسية، يقول ريفي، لكن اليوم لسنا في ظرف طبيعي، لذا لا يجوز أن تخضع القرارات للتجاذبات السياسية. نحن في ظرف إنساني ضاغط وظرف وطني خطر جداً يتطلّب قراراً وطنياً على مستواه. أدعوهم إلى أن يتمثّلوا بإيران، التي أنا ضدها، فقد أطلقت 84 ألف سجين موقتاً بسبب «كورونا».

 

أمّا سعادة فيعتبر أنّ «العفو العام يتطلب قراراً سياسياً. لكن اليوم لدينا ظرف استثنائي، التجاذبات السياسية لا قيمة لها، المطلوب تجاذب إنساني. إذا انتشرَ المرض فإنّ الجسم القضائي والجسم الأمني سيُضربان بكاملهما. ومهما وصلت درجة الوقاية لا يمكن تفادي نقل العدوى».