IMLebanon

مرحلة واعدة للمسلمين..  ولكل الوطن!

احتفال تنصيب مفتي الجمهورية الجديد الشيخ عبد اللطيف دريان تجاوز، رغم أهميته وفرادته، المكان والزمان، وتحوّل إلى حدث وطني وإسلامي شامل، يُحاكي التحدّيات المحيطة بالوطن والأمة، ويتحدّى المخططات التي تحاول إشعال الفتن، وضرب وحدة الأرض والشعب، في أكثر من بلد عربي.

وتتضاعف أهمية هذا الحدث الكبير، عندما يتبين أن كلمات الخطباء، على تنوعهم الطائفي والمذهبي والقطري، التقت على التركيز على نفس المحاور، من دون سابق تنظيم أو تنسيق بين المتكلمين، الأمر الذي يُؤكّد من جديد، أن المسلم والمسيحي، والسني والشيعي، واللبناني والسعودي والمصري، يتكلمون اللغة ذاتها، ويتنفسون مشاعر واحدة، ويتطلعون إلى أهداف واحدة، ويعانون من آلام واحدة، وذلك عندما تتحرّر الإرادات، وتتوحّد الخيارات، بعيداً عن الخلافات والانقسامات والصراعات.

كلمة رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام كانت فوق مستوى الحزازات والحرتقات المحلية الضيّقة، وارتفعت إلى مستوى الخطاب الوطني الشامل والمميز، بمواقفه الواضحة والصريحة، وبوضع النقاط فوق حروفها الصحيحة بشكل حاسم، لا لبس فيه ولا إبهام، ومحدداً بإصبعه موضع المعاناة والألم للوضع الحالي، بدءاً من الأمن ومظاهر التوتر والتشنج، وصولاً إلى الانقسامات التي تكاد تشل الحياة السياسية، بعدما نجحت في تعطيل الاستحقاق الرئاسي.

 * * *

أما كلمة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، والتي ارتجلها بأسلوبه العفوي المعهود، فكانت أشبه بوثيقة إسلامية ووطنية، تؤكد على حتمية الوحدة بين المسلمين، وتركز على أهمية الحفاظ على العيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، ليس في لبنان فقط ، بل وعلى امتداد المشرق العربي، مستنكراً ما تعرّض له المسيحيون في الموصل، وفي أماكن أخرى في المنطقة.

خطاب العلامة الإسلامي الكبير تضمن أكثر من محطة مهمّة، قوبلت بتصفيق من الحضور، ولعل أبرزها محطتان:

 { الأولى: تحيته إلى الرئيس الشهيد رفيق الحريري «الذي بنى فأحسن البناء، وأجاد الإنجاز»، وذلك في إشارة لإعمار مسجد محمّد الأمين وقاعاته المختلفة.

 { الثانية: مطالبته بحصر حمل السلاح بالدولة والأجهزة الشرعية فقط ، وسحب الأسلحة من الناس.

 * * *

أما خطاب مفتي الجمهورية الجديد الشيخ عبد اللطيف دريان، فيمكن اعتباره نهجاً، وبرنامج عمل للعهد الجديد في دار الإفتاء، نظراً لتضمنه من المواقف الوطنية والإسلامية، ما يمكن اعتباره خريطة طريق لتفعيل أداء مؤسسات الإفتاء والأوقاف والمؤسسات الاجتماعية والخيرية التابعة لدار الفتوى، فضلاً عن الحرص على رأب الصدع الحالي في الجسم الإسلامي، والتأكيد على الشراكة الإسلامية – المسيحية، في إطار التسامح والمساواة بين أبناء الوطن الواحد.

ولم يَفت المفتي دريان أن ينفض الغبار عن الثوابت الإسلامية والوطنية، التي أُعلنت من دار الفتوى في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وشكلت أحد الأسس التي قام عليها اتفاق الطائف، وكرّستها بنود الميثاق الوطني ونصوص الدستور.

كان صوت مفتي الجمهورية الجديد مدوياً في استنكاره لأعمال التنظيمات التكفيرية الظلامية، التي تقتل وتذبح وتخرّب باسم الدين، والإسلام منها براء، لأنه دين التسامح والاعتدال والوسطية، ولأن القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة أكدتا على احترام الديانات السماوية.

 * * *

وكذلك كان حال كلمات كل من البطريرك بشارة الراعي، وشيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، ومفتي الديار المصرية الشيخ شوقي علام، وممثل المملكة العربية السعودية د. سليمان أبا الخيل، والتي كانت محاورها متشابهة في إدانة الحركات التكفيرية المتطرّفة التي تعيث فساداً في بعض بلدان المنطقة، مستخدمة زوراً الشعارات الدينية، من دون وجه حق، وفي الإجماع على التمسك بالتنوع الحضاري والديني الذي عرفته المنطقة منذ مئات السنين.

 * * *

استلام مفتي الجمهورية الجديد الشيخ عبد اللطيف دريان مهامه الشرعية أمس في دار الفتوى، هو بداية عهد جديد حافل بالدينامية، والرغبة في الإصلاح والإنجاز، ليس في المؤسسة الدينية الأم والإدارات والجمعيات والمجالس التابعة لها وحسب، بل هو أيضاً بداية مرحلة واعدة من العمل الواعي لاستعادة وحدة الصف الإسلامي، وتحييد الشارع عن الخلافات السياسية وبالقدر نفسه المسارعة إلى تعزيز اللحمة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين، لمواجهة تحدّيات وتداعيات الحركات التكفيرية.