IMLebanon

أسئلة عن التفاؤل الرئاسي والنصاب النيابي

كلّ من يَرى حجمَ التفاؤل العوني الذي يُغرق البلد في هذه الأيام، لا يتردَّد في القول إنّ ميشال عون أصبح رئيساً للجمهورية، لكن إنْ عاد إلى الواقع، يَجد أنّ العصفور الرئاسي المنتظَر لم يُصبح في يد الجنرال، بل ما زال على الشجرة الحريرية.

معنى ذلك أنّ الانتظار سيبقى غالباً على كلّ ما عداه، فالأفق الرئاسي لم تتوضّح خيوطه بعد، ولذلك لم يقل سعد الحريري كلمته بعد، مع أنّه على تواصل يومي مع الرابية، و«الماكينات المحسوبة» السياسية والإعلامية، شغّالة ليل نهار على بثّ الأجواء التفاؤلية والزرع في أذهان اللبنانيين بأنّ الحلم الرئاسي للجنرال بات على مرمى أصبعين، وأكثر من ذلك، على فرش الطريق بين الرابية و«بيت الوسط» بالورود والمشاعر العاطفية وربطها بحبال الودّ السياسي والشخصي التي باتت تربط بين الحريري وعون.

الأجواء التي تضخّها تلك الماكينات ما زالت تؤشر إلى اقتراب الحريري من إعلان تأييد عون لرئاسة الجمهورية، وبلغَت في حماستها حدّ اعتماد لغة الحسم والحزم بأنّ الحريري حصل على عدم ممانعة سعودية، مع أنّ مقولة «عدم الممانعة» هي التي راجت مع عودة الحريري إلى بيروت وبدئه المشاورات على الخط الرئاسي، وتبعاً لـ»عدم الممانعة» سيُعلن الحريري موقفَه قبل 16 تشرين الأوّل، لكنّ ذلك لم يحصل.

كان المأمول عند أصحاب الماكينات، أن يأتي هذا الإعلان قبل تظاهرة «التيار الوطني الحر» على طريق القصر الجمهوري أمس الأحد، فيشحَذ الهمم أكثر، وبدل أن يشارك 10 آلاف في التظاهرة أو 20 ألفاً أو 30 ألفاً وأكثر، تلتحق كلّ الناس ويشارك 100 ألف وأكثر!

ثمّ ما لبثت تلك الماكينات أن قالت إنّ الحريري سيُعلن موقفَه في إطلالة تلفزيونية الثلثاء المقبل، بالتزامن مع جلسة مجلس النواب المحدّدة في 18 تشرين الجاري، ولكن سرعان ما تحدّث الإعلام القريب من الحريري عن تأجيل لهذه الإطلالة.

فماذا يعني هذا التأجيل؟ ثمّ عادت تلك الماكينات وربَطت بين إلغاء جبران باسيل لسفرةٍ خارجيّة له كانت مقرّره الثلثاء، وبين إعلان الحريري لموقفه في اليوم نفسه، ودعت إلى التفتيش عن الدافع الحقيقي الذي حملَ وزير الخارجية على إلغاء سفرتِه، حتى إنّ باسيل نفسه ربَط هذا الإلغاء بالظروف المحيطة بالاستحقاق الرئاسي.

من حقّ عون أن يتفاءل، وأن يحتفل، وأن يتصرّف على أنّه الرئيس، تبعاً لهذه الأجواء، وتبعاً لِما سمعه ويَسمعه من الحريري، وتبعاً أيضاً للغة الأرقام والإحصاءات التي ترد إلى الرابية وتحسم أنّ النصاب الرقمي النيابي لانتخاب عون رئيساً، بات في اليد.

فالماكينات والإحصاءات تحتسب أنّ عون قد أمَّن مسبقاً ما يقارب ثلثَي عدد النواب الذين يتألف منهم مجلس النواب، (الثلثان 86 نائباً). وتفيد أنّه من دون أصوات وليد جنبلاط (11 نائباً) وكتلة النائب ميشال المر ( نائبان)، صار في اليد العونية 83 نائباً يصوّتون لعون (تيار «المستقبل»، «الوفاء للمقاومة»، «القوات اللبنانية»، تكتّل «التغيير والإصلاح» ومستقلّون) ويزداد حجم تفاؤل تلك الإحصاءات إذا ما أضيفَت أصوات جنبلاط والمر إلى هذه النسبة، فيصبح العدد 96 صوتاً، أي أنّ عون بهذه النسبة يفوز من دورة الاقتراع الأولى.

وفي المقابل، وبحسب لغة الإحصاءات أيضاً، هناك 31 صوتاً ضدّ عون (كتلة الرئيس برّي، كتلة فرنجية، كتلة نجيب ميقاتي، كتلة الكتائب، كتلة البعث، كتلة القومي، طلال أرسلان، دوري شمعون بطرس حرب). وإذا ما أضيفَت إلى هذه النسبة أصوات المر وجنبلاط تصبح النتيجة 44 نائباً، أي أكثر من الثلث بنائب، ومعنى ذلك أنّ عون لا يفوز من الدورة الأولى، ما يتطلب إجراءَ دورة اقتراع ثانية. واستثنيَ من هذا الإحصاء النائب المستقيل روبير فاضل.

في أيّ حال، وبمعزل عمّا قالته أو تقوله تلك الماكينات، لنفرض أنّ الحريري شَهر موقفه علناً بتأييد ترشيح عون غداً أو بَعده أو بعد أسبوع، فماذا بَعد؟ وهل مجرّد الإعلان سيَحمل عون إلى القصر الجمهوري فوراً، أم أنّ هناك أقفالاً سياسية لا يُستهان بها، ما زالت تقف في الطريق أو تسدّه، وتستدعي معالجتها لإكمال المسير؟

وماذا لو استعصَت تلك الأقفال واستحالَ فتحُها، فكيف سيَعبر عون إلى القصر؟ ليس في الإمكان التنجيم حول الأقفال السياسية الأخرى، وعين التينة واحدة منها، والواضح أنّها الأصعب بينها، أو الذهاب بفرضيات حول كلّ منها على حِدة.

فلكلّ منها خصوصيّته، وحجمُه، وفعاليته، وقوّته، وصلابته، وصعوبته، وسهولته، وتعقيداته، وشروطه، ومحرّماته، ومحلّلاته، بالتأكيد مهمّة فتح الأقفال سيتولّاها الحريري وعون معاً أو كلّ على حِدة، ولكن ليس في الإمكان التقدير مسبَقاً حجم الجهود التي تتطلّبها هذه المهمة، ولا التكهّن بما ستؤول إليه، كما ليس في الإمكان تقدير المدى الزمني الذي قد تَستغرقه، فإن كانت سهلة وسلِسة قد لا يطول أمدُها كثيراً، وإن كانت صعبة فستكون حتماً طويلة، علماً أنّ عامل الوقت يلعب بشكل واضح ضد المتفائلين.

على ضفاف الإعلان المنتظر من الحريري، ومهمّة فتحِ الأقفال السياسية التي لا بدّ منها بعد الإعلان – إنْ أُعلِن – تَنبت التساؤلات الآتية:

– هل ثمّة من يستطيع أن يؤكّد علناً وصراحة أنّ السعودية وافقَت على تبنّي الحريري ترشيحَ عون؟

– هل ثمّة من يستطيع أن يقدّم، بعيداً عن الرغبات والتمنّيات، تفسيراً واضحاً لتغريدة القائم بالأعمال السعودي، وماذا أرادت أن تقول، ولماذا أُطلِقت أصلاً، ولماذا سُحِبت؟

– هل ثمّة مَن يستطيع أن يكتشف اللغز الجنبلاطي، ويَعثر على مقاصد التغريدات الثلاث الأخيرة لوليد جنبلاط حينما قال في الأولى: «كفانا سِلالاً فارغة..».. ثمّ عاد وسارَع إلى التوضيح في الثانية: «السلّة متكاملة كما وضع أسسَها الرئيس نبيه برّي وهي أساس للانطلاق، ولا تستكمل إلّا بانتخاب رئيس للجمهورية»؟ ثم اتبعها بثالثة يُبشر فيها بأن «كلمة السرّ قد اتت والله يستر»؟

– هل ثمّة من يستطيع أن يُقدّم قراءةً دقيقة لِما قاله برّي: «لم يقبلوا بالسلة التي هي عملياً جدول أعمال طاولة الحوار… إمّا يعودوا إلى الحوار أو فلنذهب إلى المجلس النيابي، ونطبّق الدستور وننتخب رئيساً في الجلسة المقبلة»؟

– هل ثمّة من يستطيع أن يُفسّر وبكلّ وضوح، معنى وهدف أن يعلن فرنجية استمرارَه في الترشيح، ومِن على منبر عين التينة بالتحديد، وكذلك ما تَستبطنه دعوته الآخرين إلى النزول إلى المجلس لانتخاب رئيس؟

– هل ثمّة من يستطيع أن يؤكّد ما إذا كانت بعض الأصوات التي ارتفعت في الساعات الأخيرة، ضد عودة الحريري – من ضفّة الخصوم – هي أصوات عفوية فردية، أم أنّها أصوات مدروسة تستبطن القولَ إنّ وراء الأكمة ما وراءها؟

– هل ثمّة من بين المتفائلين من يضمن أن تنعقد الجلسة الرئاسية في 31 تشرين الجاري؟

– هل ثمّة مِن بين هؤلاء من يستطيع أن يؤكّد أنّ عون سيَحضر وكتلته النيابية إلى جلسة 31 الجاري مع استمرار فرنجية في ترشيح نفسه؟

– لو قرّر عون النزول وانعقدَت الجلسة وفرنجية مرشّحاً، فبعيداً عن لغة الأرقام والإحصاءات النظرية، هل ثمّة من بين المتفائلين من يضمن أن يفوز عون من دورة الاقتراع الأولى وينال الثلثين من أصوات النواب؟

وتبعاً لذلك، هل كلّ كتلة «المستقبل» مضمونة لتصوّت كلّها لعون، أم أنّ هناك من سيُغرّد خارج السرب؟ وهل المستقلّون كذلك؟ وماذا لو لم تنضمّ كتلة جنبلاط إلى هذه الضفّة؟ وحتى لو تقرّر أن تنضمّ فهل مضمون أيضاً أن تُصوّت كلّ كتلة جنبلاط لعون؟ وماذا لو لم تنضمّ كتلة المر أيضاً؟

– ما يُريده عون هو أن تنعقد الجلسة بمرشّح وحيد هو عون، وأن يفوز من دورة الاقتراع الأولى، ولكن إنْ لم يتمكّن من ذلك، من يضمن إجراءَ دورة اقتراع ثانية؟ أليس هناك احتمال أن يلجأ الذين لا يريدون عون إلى لعبة النصاب فيُطيّرون نصابَ الانعقاد وتطير الجلسة؟

وماذا لو طارت الجلسة، فكيف يمكن لها أن تنعقد من جديد؟ قد يقال إنّ لعبة النصاب غير ممكنة في ظلّ الأكثرية المؤيّدة والتي ستحضر الجلسة تأميناً لنصاب الانعقاد والانتخاب، إلّا أنّها تبقى احتمالاً وارداً، إذ قد تطرأ تطوّرات قد تجعلها ممكنة؟

يبقى أمام هذا المشهد، أنّ كلّ هذا الاحتفال التفاؤلي العوني يبقى هباء، طالما إنّ العصفور الرئاسي ما زال على الشجرة ولم ينطق الحريري بالجملة السحرية بعد. ويصبح بلا أيّ جدوى إن كانت لغة الأرقام خاطئة أو مبالغاً فيها!