IMLebanon

تساؤلات في ضوء إتفاقية بحر قزوين

 

 

يطرح إعلان الإتفاقية التاريخية بين الدول المشاطئة لبحر قزوين تساؤلات حول التوقيت ومغزى الإتفاقية.فبعد مفاوضات استمرت أكثر من عشرين عاماً عاصر الإتحاد السوفياتي السابق الكثير من مراحلها،إتفق رؤساء دول روسيا وإيران وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان أول من أمس على توقيع «إتفاقية الوضع القانوني لبحر قزوين» الذي يحتوي على احتياطات هائلة من النفط تقدّر بـ 50 مليار برميل و300 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. الإتفاق يُمهد الطريق أمام مزيد من إكتشافات الطاقة ومشروعات خطوط الأنابيب ويعيد النظر بخريطة التحكّم بتوزيع الطاقة وضرورة إبعادها عن المناطق الساخنة والصراعات المحتملة.

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تُعدّ بلاده القوة الرئيسية خلف الإتفاق، إنّ «لها أهمية تاريخية»، بدوره قال رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف أنّ القادة «يشاركون في حدث تاريخي»، كما أعلنت تركمانستان؛ إحدى أكثر الدول إنغلاقاً في العالم، يوم 12 أغسطس (آب) الحالي «يوماً لبحر قزوين».

تعزز الإتفاقية الهيمنة العسكرية الروسية في المنطقة عبر منع أي دولة من خارج الدول الخمس من إقامة قواعد عسكرية أو إرسال أسطولها التجاري الى بحر قزوين. كما يبدو واضحاً أنّها تُسقط أي محاولة جديدة لإنضمام كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان لحلف شمال الأطلسي، وتمنع الحلف من أي تواجد مرتقب داخل منطقة تعتبرها روسيا الفناء الخلفي لها،وتحبط تكرار تجربة المحادثات بين «الناتو» والدول الثلاث خلال عهد الرئيس باراك أوباما. يتزامن ذلك مع مشاركة النظام الإيراني الحالي روسيا عداءها للغرب.

تتيح الإتفاقية فرصاً كثيرة لإبعاد التزوّد بالطاقة عن مناطق الصراع المحتملة، عبر تفعيل مشاريع خطوط تزويد أوروبا بالطاقة أو إنشاء أخرى في مناطق الفراغ الاستراتيجي في شرق آسيا. تبدو روسيا متّجهة لتعويم مشروع تزويد أوروبا بالنفط عبر قاع البحر الأسود نحو بلغاريا واليونان، والهدف الأساسي من هذا المشروع هو اكتناف المرور عبر البوسفور والدردنيل، والتخلص من القيود التي تفرضها تركيا على مرور ناقلات البترول الكبرى عبر مضيق البوسفور. يمكن إضافة عامل ثالث ناتج عن العقوبات التي تفرضها الولايات المتّحدة على تركيا والتي قد تتطور الى فرض العديد من التقييدات الإقتصادية والتجارية عليها مما قد يؤثّر على حرية عبور ناقلات النفط عبر مضائقها . هذا المشروع تكلم عنه بإسهاب وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك في نهاية العام 2017.

تمثّل إيران بدورها أحد الخيارات الهامة لنقل بترول بحر قزوين إلى السوق العالمي، خاصة إلى السوق الآسيوي الذي يتوقّع أن تكون أسعاره أفضل، هذا في ظلّ وفرة في الخيارات الأخرى التي تنقل البترول إلى غرب أوروبا عبر البحر المتوسط من بحر قزوين.ويبدو الخيار الإيراني الأقصر والأقل تكلفة، ويمكن أن تنقل إيران بترول قزوين سواء بالنقل المباشر عبر الأنانيب الى الخليج العربي أو بالنقل التبادلي (Oil Swaps)الذي يُقصد به أن تتلقى إيران نفط بحر قزوين من أذربيجان وتركمانستان وكزاخستان في مينائها (نيكا) في بحر قزوين ومنه عبر الأنابيب أو السكك الحديدية إلى مصافي البترول في شمال البلاد. وقد يعزز مشروع بحر قزوين من فرص مسارات هامشية كخط كزاخستان-الصين أو خط تركمانستان–أفغانستان لتزويد الصين وشرق آسيا بالطاقة بعيداً عن التهديدات الأميركية والإستنفارات المحتملة في منطقة الخليج العربي والبحر الأحمر.

هل تشكّل الإتفاقية تلويحاً بردّ روسي ايراني على مسلسل العقوبات الأميركية الواعد على موسكو وطهران، وهل ترسم خارطة طريق لإجراءات جديّة تهدف لعدم تعريض أمن التزوّد بالنفط للخطر، وإبعاد المسارات عن الممرات المائية التقليدية في الخليج العربي والبحر الأحمر والمضائق في باب المندب وهرمز والبوسفور والدردنيل التي شكّلت مراكز الثقل في رسم استراتيجيات الأمن والطاقة على مستوى العالم؟ وهل ينذر ذلك بسنوات من العنف وعدم الإستقرار تُقصي العالم العربي وتركيا عن دورهم كجزء من قلب العالم؟

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات