IMLebanon

الأرانب التي أُخرجت من حقيبة الحزب

 

منذ الانتخابات النيابية التي أوصلت إلينا المجلس الحالي، واللبنانيون يتعايشون مع حالة صراع داخلي، بعضه غاية في الجلاء والوضوح، ومعظمه خفي ومتستر محاولا بشتى الطرق والأساليب السير بالبلاد وأوضاعها الوطنية والميثاقية إلى حال جديد ونظام آخر، ينقل هذا الوطن، إلى موقع مختلف منتم بشكل واضح وصريح وأقرب أن يكون إلى المحور الإيراني ومسالكه ومطامحه، وها نحن الآن، بعد اصطناع قانون انتخابي على قياساتٍ تم التوصل من خلالها إلى وضع اليد على مجمل التمثيل النيابي، ونحن في الواقع الملموس قد وصلنا إلى دولة لبنانية تكاد أن تكون صورية الوجود بشكلها وأساسها، تمسك بمقاليدها دويلة طائلة وقادرة، وها نحن الآن وبعضٌ من شبابنا وطاقاتنا الوطنية، نحارب في كل الدنيا، وخاصة في محيطنا العربي والشعار المرفوع والمعترف به علنا هو الإنتماء إلى المشروع الإيراني، بكل طموحاته وأطماعه وممارساته الطائفية والمذهبية وأحلامه الأمبراطورية الفارسية.

كل ذلك تحقق مع الاسف، بعد أن طغى على البلاد حكم الدويلة وفقا لما هو معروف ومكشوف، والخطة الإقتحامية لا تزال مستمرة، فبعد السيطرة على الأرض وعلى معظم المؤسسات الإدارية ومؤخرا الدستورية، ممثلة بالمجلس النيابي القائم، بقيت الحكومة بإطاراتها الميثاقية المعروفة والتي يصعب قضمها وابتلاعها الاّ بمتابعة الأسلوب نفسه: مسيرة الخطوة خطوة، والوضع الحكومي الذي خالجنا الظن بأنه مَطَافٌ له خصوصياته التي يصعب النيل منها بسهولة، إلاّ أن الرئيس المكلّف، يعاني الأمرين منذ ما يناهز الأشهر الستة، يحل عقدة إثر عقدة، ويدرأ خطرا أثر خطر، ويلملم ضررا إثر ضرر، لنكتشف جميعا أن عقدة العقد ليست قائمة بتعقيد درزي، والعقدة المسيحية ليست مفتعلة بتعقيد مسيحي، فكل من الوزير جنبلاط وقائد القوات سمير جعجع، قد حلحل هاتين العقدتين بكل حكمة وعناية ومسؤولية وطنية متميزة، ولنكتشف بعد ذلك أن اختلاق ما أُسمي بعقدة التمثيل السني، هي في واقع الأمر، جزء من المخطط المدروس لتأجيل البحث بالوضع الحكومي بكل أحماله وأثقاله إلى مرحلةٍ لاحقة تتضح فيها جملة من التطورات الخطيرة التي تطاول العالم عموما ومنطقتنا العربية المنكوبة خصوصا، فبالإضافة إلى الوضع السوري الذي يعتقد البعض أنه حقق فيه ومن خلاله نصرا أعاد سلطة النظام إلى كل سوريا، وتلك مسألة فيها نظر، وهي قيد المغالبة والمعالجة في ما بين روسيا وتركيا وفرنسا والمانيا، في وقت يغيب عنها النظام السوري، بينما البحث القائم، هو مستقبل سوريا والموقف من وحدة أراضيها، والوصول بها إلى حلّ سلمي مرتبط بإعادة إعمارها وبتأمين الأموال الطائلة لتحقيق هذا الإعمار بأرقامه المذهلة، كما هو مرتبط بعودة النازحين السوريين منهم والمهجرين إلى الخارج وإلى المجهول والمتلطين في أماكن مختلفة من الداخل تحت وابل الموت والدمار والخراب، ولا يخفى على علم أحد بأن ذلك مستحيل تحقيقه من دون موافقة ومؤازرة المجتمع الدولي بما فيه دول الخليج وامكانياتها المادية الطائلة والقادرة. بالإضافة إلى الوضع السوري المذكور فإن الوضع الإيراني الذي يعاني من أحوال سياسية واقتصادية غاية في الصعوبة، ومن عقوبات أميركية تكاد أن تطبق الخناق على وضعية النظام بأسره وبصورة خاصة منه على وضعه الإقتصادي والمعيشي المتدهور إلى أقصى الحدود، الأمر الذي سيكون له أثره الشديد على قدرة إيران في الإستمرار بمد يد العون إلى الكيانات المسلحة التي اختلقتها في أكثر من بلد عربي، وبالإضافة إلى الوضعين المشار إليهما أعلاه، تأتي القرارات الأميركية المتعلقة بحزب الله بالذات حيث اعتبرته حزبا إرهابيا خارقا للحدود، وان القرارات الحصارية التي طاولته وستطاوله حزبا وأفرادا ومؤسسات تابعة وممولة، الأمر الذي سيكون له هو أيضا أثر على مجمل نشاطاته سواء في لبنان أم في العالم العربي بأسره.

نعود إلى ما يهمنا على وجه التحديد من كل هذا السرد، لبنان اليوم من خلال هذا الوضع الدولي والإقليمي المعقد، يعاقب نفسه داخليا من خلال هذه العقد المفتعلة والمبرمجة والتي تضرب المصلحة اللبنانية العليا عرض الحائط مستهدفة خلق أوضاع تمكنها من مواجهة كل هذه التحديات الكبرى التي طرأت في وجهها، ها نحن أمام حكومة لا تتشكل رغم كل التمثيليات التي سبقت موجة مفتعلة بأن هناك تسهيل لعملية التشكيل، وليرسو الاتهام بالنتيجة على الرئيس المكلف بأنه من خلال رفضه توزير نائب من مجموعة النواب السنة المزعوم بأنهم مستقلون، يؤجل لنفسه وللجهة التي يمثل وللبنان بأسره، عملية التأليف المنتظرة وبكل ما ينتظرها من مهام جسام على الصعيد الإقتصادي والمالي فضلا عن الإداري والاجتماعي والمعيشي والبيئي، وقد كان كل ذلك زعما مصطنعا لم يهضمه أحد وفي الطليعة، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي سارع في إطلالة إعلامية له بمناسبة بلوغ عهده عامه الثاني ودخوله في العام الثالث، إلى الدفاع عن الرئيس المكلف في موقفه الصامد والصريح لتلك المداخلة المرفوضة في شأن سنيّ خالص، ولمصلحة عدد من النواب المنتمين بمعظمهم إلى حزب الله وأتباع النظام السوري الغارق في أوضاعه وأزماته كائنا ما كانت طبول النصر المظفر تقرع له ومن حوله وتحاول العودة إلى الساحة اللبنانية من خلال جملة من الاختراقات ومن بينها تلك الهمروجة المصطنعة لإعطاء ذلك الوجود المصطنع وفرضه فرضا فجّاً على الرئيس المكلف بكل ما ومن يمثل، ومن خلال اختلاق أرانب يخرجها الحزب من جعبته عند الحاجة، وها هي الحاجة وقد آن أوانها من خلال التعقيدات المستجدة في لحظات التأليف الحكومي الأخيرة.

إنه رفض مطلق، وثابت ومستمر وينسجم مع الصفة التي أطلقها دولته على نفسه بأنه بات في المرحلة الحالية سعد الحريري موديل 2018، وهو مؤازر في ذلك من طائفته بالغالبية الكاسحة لأفرادها ومؤسساتها الوطنية والدينية وفي الطليعة، سماحة المفتي ومجلس المفتين والمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، وهو أيضا مؤازر فيها من فخامة الرئيس عون الذي كان في هذا الإطار «أبو الكل» الساعي لتحقيق مصلحة لبنان، ولوضعها فوق كل الاعتبارات والاصطناعات، ولاعتباره بأن رئيس الحكومة يقتضي أن يكون قويا بين رؤساء أقوياء، ليسلم لبنان قويا معافى.

في بداية هذا الاسبوع، بدأت سلسلة الإجراءات الأميركية المعروفة بشقيها المالي والاقتصادي، ومع الأسف، كان من المفترض أن تكون الحكومة مشكلة وقائمة بأعمالها وواجباتها الإدارية والدستورية، ولكن… ان هذا المقال يحاول أن يلقي بعض الضوء على كل ما يمنع تحقق ذلك، وإنها نكتة فاقعة أن يُقال: أن العقدة السنية هي السبب.