IMLebanon

فلسطين كمسرح لحروب التمييز العنصري: من شوارع تل أبيب… إلى ساحات المسجد الأقصى!

 

ما حصل بالأمس القريب، وما يحدث الآن في فلسطين، يعبّر عن تطوّر جذري وعميق في طبيعة الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني. ان الممارسات الاسرائيليّة، من قوى أمن ومواطنين، في ساحات المسجد الأقصى ولا سيما في زمن الصوم لدى المسلمين، تعتبر تحدياً لمشاعر المسلمين الدينيّة والسياسيّة في مفترق حاسم من مسار القضية الفلسطينيّة. ولعلّ ما قام به شاب فلسطيني، في شوارع تل أبيب، حين راح يطلق النار على المارّة فيقتل ويصيب، هو تعبير عما تختزنه النفس الفلسطينيّة من مرارة وحقد وألم في ازاء الوضعيّة التي يعيشها شعب فلسطين. وما سيتبع ذلك بالتأكيد من عمليات انتقام إسرائيليّة طاولت ليس جنين فحسب، بل معظم نواحي الضفة الغربية… وقطاع غزه، هذه المرحلة الجديدة من الصراع نضعها تحت عنوان صريح وواضح ومبرر هذه المرَّة وهو: حرب التمييز العنصري، والتي هي من أقسى وأبشع أنواع الحروب.

 

ثلاثة عناوين تطرح نفسها في هذا السياق:

 

أولاً: معنى حروب التمييز العنصري.

 

ثانياً: لماذا تتفجّر الآن على الساحة الفلسطينيّة؟

 

ثالثاً:ما هو الحل وأين هو الحل لقيام حياة مشتركة ممكنة بعد، بين اليهود والعرب في فلسطين؟

 

أولاً: في معنى حروب التمييز العنصري

 

يقوم التمييز العنصري على قاعدة وجود اختلاف في قلب المجتمع بين العناصر التي تكوّن هذا المجتمع. وبين أن يكون المجتمع مؤلفاً من جماعة بشريّة يتمسّك أفرادها في العادات والتقاليد واللّغة والدين وسمات أخرى مميّزة بما في ذلك الأصل والملامح الفيزيقية الجسمانية كلون البشرة مثلاً. كل ذلك يؤدي بالجماعة الى شعور بالتوحّد كجماعة متميّزة. ولكن ليست هي الحال دائماً في العديد من المجتمعات والدول:

 

– فهناك تمييز على أساس الاثنية أي الأصول الاجتماعية التي يعود اليها أفراد المجتمع. فقد يكون بعضها من الجنس السامي والقسم الآخر من الجنس الآري. ويقع الصراع العنصري بين الجنسين وهو ما شهدته أوروبا في الحرب العالميّة الثانية مع صعود النازيّة وفكرة تفوّق العنصر الأوروبي.

 

– وهناك التمييز على أساس الدين وحتى داخل الدين نفسه بين المذاهب الدينيّة (السنّة والشيعة).

 

– وهناك التمييز على أساس الوطن الذي تؤمن به الجماعة بأنّه المعبّر عن تاريخها وقاعدتها الجغرافية والديموغرافية وبالتالي عن مصيرها التاريخي. وعادةً ما يقع هذا الخلاف بين أبناء الوطن الواحد حول طبيعة هذا الوطن وحدوده ودوره في رسم مصير شعبه وإمكانيّة المحافظة على هذا الشعب وتجذّره، لأن الجغرافيا هي القاعدة الأساسيّة للتاريخ. وعادةً ما يقع الخلاف داخل الوطن الواحد بين قوى ذات انتماءات مختلفة بل ومناقضة ولديها ايديولوجيات متناقضة.

 

إنّ ممارسة التمييز العنصري في المجتمع، في أي مجتمع، يؤدي حكماً الى شحذ النفوس وإستخدام أسلوب التعصّب. والتعصّب هو الانحياز الى شيء ما من الأشياء، كفكرة ما، مبدأ ما ومعتقد أو شخص، وأكثر ما يبرز في الدين والفكر والسياسة والقوميّة مع ما في ذلك من نتائج سلبيّة وشديدة الخطورة. ذلك ان جماعتيّ الصراع العنصري يعتمدان في نفسيهما وسيلة الاعتداء على الآخر والأخذ بالثأر، ذلك ان التعصّب العرقي يؤدّي الى تحقير الآخر وفي أقصى الحالات الى محاولة شطبه وإلغائه من الوجود.

 

وتلك هي الحال بين يهود فلسطين وعرب فلسطين.

 

ثانياً:اسرائيل بين السراب السياسي… والخطر الديمغرافي

 

ان ما حدث مؤخراً في فلسطين، ولا يزال يحدث في ساحات المسجد الأقصى والضفة الغربية وقطاع غزة يتخذ مدلولات مهمّة ومعبرة: إنها مؤشرات حروب التمييز العنصري بين الفلسطينيين واليهود، والسؤال – الأساس: لماذا يحدث ذلك الآن؟

 

1 – يقوم الأميركيون بضغط مباشر لصالح اسرائيل أهمّ مظاهره تمّ على يد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بضم القدس الشرقية الى اسرائيل.

 

2 – قيام علاقات ديبلوماسية بين بعض الدول العربية، وخاصة الخليجيّة واسرائيل وعقد مؤتمرات للتنسيق بينهما بحضور ممثلين من جمهورية مصر العربيّة وبعض دول المغرب العربي.

 

3 – توجّه بارز داخل السلطة الحاكمة في إسرائيل نحو اليمين المتطرّف وهو ما يصعب الوصول الى حلول وسطى متفق عليها بين اليهود والفلسطينيين.

 

4 – هذه التحوّلات في المواقف والتي تتناول عمق القضية الفلسطينية جعلت الفلسطينيين يعيشون بخوفٍ وقلق، بحيث يزداد في نفوسهم التعصّب إذ يجدون أنفسهم وكأنّهم صاروا وحيدين في معترك الصراع مع إسرائيل، ولذا يقرّرون إتخاذ القرار الأخطر وهو حرب الإلغاء، حرب التمييز العنصري: إما نحن وإما اليهود في فسطين! وهذا هو المعنى العلمي والحقيقي للمواجهات التي حدثت في تل أبيب والضفة الغربية، والقدس الشرقية، ومعنى الردود الاسرائيليّة وهي من ذات الطبيعة وذات العيار والمعيار وترجمة كاملة لحروب التمييز العنصري بطبعتها اليهوديّة.

 

5 – هذا التوجّه الثنائي الى حروب التمييز العنصري بين اليهود والعرب في فلسطين، يمثّل نكسة كبرى لامكانيّة السلام في المنطقة. فهو توجّه يذهب في خط مواز للحل الذي صاغته القمّة العربية في بيروت أي حلّ الدّولتين في فلسطين. إنّه خيار حلّ الدولة الواحدة التي تعمل على إلغاء الآخر وطرده من أرض فلسطين وجعلها كما يخطط لها اليهود، لا دولة اسرائيليّة، بل دولة يهوديّة تطبيقاً لحرب التمييز العنصريّ!

 

ومع هذا التوجّه لغلاة دولة اسرائيل باعتبار التخلّص من الدولة المركبة خياراً في مصلحة الشعب اليهودي، فإنّ الواقع الموضوعي ينغص أحلامهم في ضوء الزيادة الهائلة في الديمغرافيّة العربيّة السنيّة «يهدد النسيج الاجتماعي الاسرائيلي، وخاصةً في مرحلة تشهد دوراً حاسماً للديمغرافيا في رسم الجغرافيا وذلك على قاعدة ان الديمغرافيا هي الّتي تصنع التاريخ».

 

في مثل هذه الحال تعود الى ذاكرة اللبنانيين الكلمات التي كان يرددها الشيخ بيار الجميّل في النصف الثاني من القرن العشرين وفيها يقول: ان اسرائيل جسم غريب عن المنطقة ولا يمكنها ان تحيا بسلام إلّا إذا أصبحت جزءاً من المنطقة. ولهذا كان يعيد نظرته القائلة بأن على اليهود ان يعيشوا مع المسلمين في فلسطين على قاعدة الحياة المشتركة كما يعيش المسيحيون والمسلمون في لبنان.

 

… إن اليهود في فلسطين يسيرون في الخط المعاكس.

 

السؤال المصيري: الى أين ستقودهم هذه المسيرة؟