IMLebanon

الرقة: معركة التفاهمات

ما إن إنطلقت معركة الشمال السوري، لإعادة السيطرة على مدينة الباب، حتّى توجّهت أنظار القوى المتنازعة إلى ما بعد مدينة الباب، إلى الرقّة العاصمة السياسة لتنظيم “داعش”. فهي بالنسبة إليهم، تشكّل أهميةً استراتيجيةً من الناحية الجغرافية، إذ تقع على حدود خمس محافظات، الحسكة ودير الزور وحلب وحماة وحمص، ولها حدود دولية مع تركيا.

إنّ ضراوة المعركة، الروسية، الأميركية، التركية، على الباب السورية، تعكس أهمية الوصول إلى الرقّة، وتظهر مدى التفاهمات الإقليمية والدولية لما بعد “داعش”.

إذ اعتبر بعض المراقبين، أنّ التقدم الذي حققته القوات التركية، في مدينة الباب، جاء ضمن التفاهم الضمني الروسي – التركي لاحتواء الدويلة التي أقامها الأكراد عملياً، على الخاصرة الجنوبية لتركيا. ولزيادة الضغط الروسي، في الورقة السورية، على خصمها الأميركي.

إنّ التخاذل الأميركي في الورقة السورية، أضعف حلفاءها الإقليميين، وأفقدها حليفها التاريخي التركي. لذلك، وجدت الإدارة الأميركية الجديدة نفسها، مجبرة على التدخّل، حتى عسكرياً، بعد التهديد التركي بإغلاق قاعدة إنجرليك العسكرية. وتحت الضغط الإسرائيلي الذي بات يقلقه التمدّد الإيراني في سوريا.

أخذت المعركة، بعداً دولياً في النزاع، لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى، ووضع تفاهمات جديدة، بعد فترة السماح التي أُعطيت للروسي في سوريا. وهذا ما أطلق عليه بعض المحللين “الحرب الباردة الثانية”، بين اللاعب الأميركي، واللاعب الروسي.

أمّا نوايا الدول المعقودة للسيطرة على مدينة الرقة، فتظهر عبر:

– نيّة الولايات المتحدة الداعمة لقوات “سوريا الديموقراطية”، لطرد “داعش”. وتصفية الحال مع تركيا، وإفشال مخطّطاتها في الشمال السوري. فالأميركي، يريد أن يُخفّف من أهمية قاعدة إنجرليك في تركيا، بسبب التصريحات التركية حول إغلاقها. الأمر الذي دفع بالولايات المتحدة الى حسم معركة الرقة، لمصلحة الطرف الداعم لها، في سبيل إقامة قاعدة جوّية لها، في محافظة الحسكة السورية.

– نيّة الروس، محاصرة الأميركي في المنطقة. من خلال فتح المجال أمام التركي لتحقيق المنقطة العازلة، وطرد قوات “سوريا الديموقراطية”، ومنع إقامة الدولة الكردية. فهذا ما ظهر في مؤتمر أستانة، وعلى الأرض، حيث التفاهم السوري – التركي، في معركة مدينة الباب. لذلك، يعمل الروسي لتثبيت نفوذه أكثر في سوريا، لتصبح الورقة السورية – التركية، ورقة ضغط للتفاهم على مناطق أكثر إلحاحاً لها، كأوكرانيا.

إنّ الغاية الأساسية من معركة الرقة، هي رفع سقف التفاهمات الروسية – الأميركية. فقوات سوريا الديموقراطية، ستعمل للوصول إلى أطراف الرقة، وضمّ القرى التي يسيطر عليها التنظيم، وحينها ستبدأ المفاوضات بين الأميركي والروسي.

وسيتمكّن الروسي بمقابل التنازل عن الشمال السوري، من تحقيق صفقات اقتصادية، وأبرزها نقل الغاز الروسي عبر تركيا. عندها يحافظ كلّ طرف على مصالحه الإٍستراتيجية.

أخيراً، دخلت الحرب السورية مرحلة الحرب الباردة، ما يُنذر بخطورة المرحلة المستقبلية التي تلي تحرير الرقة من داعش. كما وإنّ التقسيم في سوريا بات أمراً واقعاً، نسبة إلى حجم التفاهمات الدولية حول الحفاظ على مصالحها.

ما يطرح إشكالية أخرى بعد هذه التفاهمات، وهي الوجهة الأساسية لعناصر التنظيم الفارّين من حدّة المعارك؟ خصوصاً، وإنّ إستراتيجية المعركة لا توضح نيّة الأطراف بالقضاء على أفراد التنظيم، بل على السماح لهم بالفرار، وترك ممرّ للإنسحاب.

إذ تتمركز فصائل من قوات سوريا الديموقراطية في ريف دير الزور الشمالي، أي في جنوب الرقة، فلماذا لا تتقدّم تلك القوات من الجنوب، وتحاصر الرقة وتسحقهم.

مهما يكن من نتائج، فإنّ التصعيد سيكون عنوان المرحلة المقبلة، في ظلّ التزايد للعمليات الإرهابية، كما حصل أخيراً في حمص، ووسط الفشل الذي يلاحق مؤتمر جنيف.