IMLebanon

قراءة لبنانية في العلاقات الأخوية مع الشقيقة الكبرى..

 يُشكّل اليوم الوطني السعودي، بالنسبة للبنانيين، محطة وفاء وتقدير للمملكة العربية السعودية، مليكاً وشعباً، ووقفة عرفان بالجميل، على كل ما قدمته الشقيقة الكبرى في مدّ يد المساعدة والدعم للبنان، في الأزمات والملمات.. وما أكثرها في هذا البلد المعذب!

وحرصت كل العهود الاستقلالية في لبنان، على تمايز توجهاتها السياسية، على الحفاظ على أفضل العلاقات الأخوية مع المملكة، هذه العلاقات التي ذهبت مثلاً لأواصر التعاون والأخوّة بين الأشقاء، بعيداً عن المحاباة والغرَضية، وحرصاً على مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.

الواقع أن لبنان كان يحظى باهتمام سعودي خاص، منذ أيام الملك المؤسّس، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيّب الله ثراه، والذي حافظ أنجاله على هذا التوجه الأخوي، منذ أيام الملك فيصل بن عبد العزيز، حيث بلغ ذروته في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي خصص الكثير من مبادراته السخيّة لمساعدة الشقيق الأصغر، في شتى المجالات، وكان آخرها المبادرتان الكريمتان بدعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بثلاثة مليارات دولار في المبادرة الأولى، وبمليار دولار رابع الشهر الماضي، لتمكين القوى العسكرية والأمنية اللبنانية من مواجهة الهجمات الإرهابية التي يتعرّض لها الجيش من المسلحين في جرود القلمون وعرسال، والتصدي لما تشكله الممارسات الإرهابية، من خطر داهم على أمن واستقرار لبنان.

تاريخ العلاقات اللبنانية – السعودية الطويل يشهد أن المملكة كانت السبّاقة في تقديم العون والدعم في الأزمات المتتابعة، كما في الحروب المتواترة مع العدو الإسرائيلي.

وتأخذ المساعدات السعودية أهمية مضاعفة، لأنها تصبّ كلها في مشروع دعم الدولة اللبنانية، وتمكين اجهزتها الامنية والإنمائية من القيام بالمهمات الملقاة على عاتقها، وذلك بالقدر نفسه الذي تحرص فيه القيادة السعودية على إيصال المساعدات ومفاعيلها المختلفة، إلى كل اللبنانيين، من دون تمييز بين طائفة وأخرى، او بين منطقة وأخرى، ولا حتى بين جهة سياسية وأخرى.

لا تتسع هذه المقالة لإستعراض تفاصيل السجل الذهبي للمساعدات السعودية الأخوية لوطن الأرز، ولكن النماذج التالية، ترسم آفاق الحرص الأخوي السعودي على منع سقوط الشقيق الأصغر في بحر أزماته، وعلى توفير الظروف والأجواء اللازمة التي تمكن اللبنانيين من الحفاظ على دولتهم، وعلى صيغة عيشهم الواحد، على اختلاف طوائفهم.

ويبقى أبرز هذه النماذج:

1 – اتفاق الطائف: لا بدّ من تذكير الأجيال اللبنانية الشابة دائماً، بأهمية هذا الاتفاق الوطني المفصلي، الذي أنهى خمس عشرة سنة من الحروب العبثية بين اللبنانيين، وأعاد الأمن والسلام إلى الربوع اللبنانية مع فتح أبواب الإصلاحات السياسية والدستورية التي أنجزت قيام «الجمهورية الثالثة» في لبنان.

وغني عن القول، أنه لولا العناية الخاصة والجهود المميزة التي بذلتها القيادة السعودية طوال شهر ونصف تقريباً، هي فترة انعقاد مؤتمر الوفاق اللبناني في مدينة الطائف السعودية، لما تمكن النواب اللبنانيون من التوصّل إلى اتفاق على بنود الميثاق الوطني الجديد، المعروف إعلامياً بـ «اتفاق الطائف».

2 – المساعدات الإنمائية: لم يتوقف الدور السعودي عند اقفال ملف الحرب الداخلية، بل استمر وتطور للمشاركة في ورشة إعادة الإعمار، التي قادها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وساهمت الهبات والقروض الميسَّرة السعودية بفعالية كبيرة، في إعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتنفيذ العديد من المشاريع الجديدة، من أوتوسترادات إلى مستشفيات، إلى المجمعات المدرسية، فضلاً عن شبكات المياه والكهرباء.

3 – إزالة آثار الاعتداءات الاسرائيلية: بقيت المملكة العربية السعودية السبّاقة دائماً في المشاركة بإزالة آثار الاعتداءات الإسرائيلية، والتي كان آخرها، وأشدها دماراً، في حرب تموز 2006، حيث بادر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى ايداع مليار دولار، بشكل عاجل في البنك المركزي اللبناني، لدعم الليرة المهددة بالانهيار تحت ضغط العدوان الإسرائيلي، وما أن خفتت نيران الحرب المدمرة حتى وجّه العاهل السعودي بتقديم حزمة مساعدات عاجلة وسخيّة، بدأت بإعادة إعمار القرى المهدمة كلياً أو جزئياً في الجنوب اللبناني، حيث ساهمت المساعدات السعودية في إعادة إعمار وترميم 223 قرية من أصل 236، كما قدّم على مدى السنتين التاليتين كامل تكاليف أقساط وكتب طلاب المدارس الرسمية في كل المناطق اللبنانية، الى جانب تمويل الكثير من ورش إعادة ترميم الجسور والطرقات والمباني والمنشآت، التي تضررت خلال تلك الحرب المشؤومة.

4 – تسليح الجيش والقوى الأمنية: لم تكتفِ المملكة العربية السعودية ببيانات التأييد لسياسة لبنان في مواجهة الإرهاب، والحفاظ على الهدوء اللبناني في زمن الربيع العربي العاصف، وجاءت المبادرة السخية للملك عبد الله بن عبد العزيز بتقديم ثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني، لتنتهي مرحلة العجز اللبناني المزمن في تأمين الميزانيات اللازمة لتسليح الجيش الوطني، بما يحتاجه من أسلحة ومعدات وتجهيزات، حتى يتمكن من القيام بالواجبات الملقاة على عاتقه، في هذه المرحلة الدقيقة.

وجاءت مبادرة المليار دولار الرابع، اثر المواجهة العنيفة مع المسلحين في جرود عرسال، لتؤكد للمرة الألف، مدى حرص المملكة، والملك عبد الله بن عبد العزيز شخصياً، على تمكين لبنان من التصدّي لهذه الهجمة الإرهابية، بما ينسجم مع السياسة الشجاعة والحكيمة التي يتبناها خادم الحرمين الشريفين في مواجهة الموجات الإرهابية وتنظيماتها المختلفة، وخاصة بعد الإجراءات الداخلية التي أمر بها ضد كل من يُساعد أو يموّل أو يُشجّع الشباب السعودي على الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، أو القيام بأي عمل إرهابي، فضلاً عمّا واكب هذه الإجراءات الداخلية، من نداءات فاعلة الى عواصم القرار الدولي، بضرورة التحرّك والتعاون للتصدي لحالة التفلت الإرهابي في سوريا والعراق، والتي أصبحت تشكل خطراً على المجتمعات الغربية في أوروبا وأميركا أيضاً.

فكان أن انعقد المؤتمر الإقليمي – الدولي في جدّة، ووضع اللبنة الأولى لقيام التحالف الدولي الجديد لمواجهة «داعش» وأخواتها في سوريا والعراق.

 * * *

هذا غيض من فيض بقراءة سريعة للعلاقات الأخوية التي تربط لبنان بالشقيقة الكبرى، والتي يحرص اللبنانيون، كل اللبنانيين، على الحفاظ عليها، ورعايتها وتطويرها لما فيه خدمة الشعبين الشقيقين، تقديراً للوقفات السعودية مع لبنان، وعرفاناً بالجميل لما يلقاه اللبنانيون من تشجيع وتسهيل في أعمالهم في المملكة.

مبروك للشعب السعودي الشقيق هذا اليوم الوطني المجيد، وعاشت قيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز الشجاعة والحكيمة.