IMLebanon

قراءة عسكرية لأحداث عرسال من 2 آب إلى «حريق المخيم»

قراءة عسكرية لأحداث عرسال من 2 آب إلى «حريق المخيم»

لا قفزات في المجهول ولا أحد بإمكانه جرّ الجيش إلى أجندته… لا حزب ولا غيره

ما قبل المعركة غير ما بعدها وإقفال المعابر ليس ورقة تكتيكية من أوراق التفاوض

ثمّة اقتناع راسخ  لدى أكثر من جهة سياسية، قاسمها المشترك مناهضتها لـ «حزب الله»، أن الحزب يسعى بكل قواه لجرّ الجيش إلى خوض مواجهة مفتوحة مع التنظيمات المسلحة السورية المنتشرة في جرود عرسال، المتداخلة مع جرود القلمون، لملاقاة الجيش السوري  و«حزب الله» في حرب القلمون التي تحوّلت إلى حرب استنزاف له، وبات الحزب  يدفع أثماناً باهظة جرائها، وهم لا يبرّئون الحزب من لعب دور استخباراتي في استدراج الجيش إلى معركة عرسال، في الثاني من آب، عبر توقيف القيادي عماد جمعة الذي كان بايع تنظيم «داعش»، وما نجم عن ذلك من مهاجمة «التنظيم» و«جبهة النصرة» المراكز الأمنية والعسكرية في البلدة واحتلالها قبل الانسحاب منها وبحوزتهم رهائن من قوى الأمن الداخلي والجيش اللبناني.

وما يُعزّز المخاوف من جرّ الجيش إلى هكذا مواجهة، بعدما استطاع احتواء معركة عرسال بأقل الخسائر الممكنة، التسريبات المتكررة التي  تُشيعها أوساط  قوى الثامن من آذار عن «سيناريوهات» هجوم محتمل لا ينقصه إلا تحديدهم ساعة الصفر له، ودعوة  الجيش إلى حزم أَمره  لتحرير الأسرى في عملية عسكرية يتداولون  بتفاصيلها علانية. وزادت التوترات التي شهدتها عرسال أمس، على خلفية مداهمة الجيش لأحد مخيمات النازحين السوريين وتوقيفه  نحو 450 شاباً والإحراق الملتبس للمخيم، من حدّة هذه المخاوف.

وبغض النظر عن تضارب الروايات حول من أَحرق المخيّم، والجدل الذي نشأ حيال كيفية تعامل الجيش، في حادثة الأمس، مع النازحين والموقوفين الذين  طُرحوا أرضاً كـ «قطعان الغنم» بصدور عارية موثوقي الأيدي، فإن قراءة معنيين في الشأن العسكري للوضع الراهن تُقدّم مشهداً مختلفاً، وترسم معالم الواقع الذي تتعامل معه القوى الأمنية والعسكرية في معركتها مع التنظيمات المتطرّفة، سواء في جرود عرسال، أو غيرها من المناطق.

في  قراءة هؤلاء المعنيين أن الهواجس لدى أي فريق قد تكون هواجس مشروعة نظراً إلى الانقسامات التي تشهدها البلاد، ولكن ثمة حقائق هي أن القوى العسكرية والأمنية قد تمّ الاعتداء عليها في عرسال من قبل التنظيمات المتطرّفة، سواء «جبهة النصرة» أو تنظيم «داعش»، وأن التنظيمين يأسران عناصر من الجيش وقوى الأمن، وأن إعدامات قد نُـفّـذَت بحق ثلاثة عناصر، وأن الحرب مفتوحة مع «الجماعات الإرهابية»، قبل معركة عرسال وما بعدها، وقبل تشكيل التحالف الدولي لمحاربة التنظيمات المتطرّفة وما بعده، غير أن الأهم هو أن أي قرار يتخذه الجيش، وفي أي اتجاه، يحتاج إلى غطاء سياسي من الحكومة، وكون الحكومة الراهنة هي حكومة تضم في تركيبتها مختلف القوى السياسية المتصارعة، فإنه من الصعوبة بمكان القول بأن «فريقاً ما» يمكنه أن يجرّ الجيش إلى معركة وفق أجندته الخاصة، لا بل إن المؤسسة العسكرية تتحرّك  بما يوفّره التوافق السياسي من مظلة لها، وتأخذ ما تراه مناسباً انطلاقاً من قناعتها وتصوّرها  وأولوياتها لكيفية المواجهة وكلفتها وانعكاساتها. ففي معركة عرسال، كانت أولوية القيادة العسكرية تفادي تدمير البلدة، بما يُعرّض حياة  المدنيين من أبناء البلدة للخطر، ويؤول إلى تهجير جماعي. واستطاعت بعد امتصاص الصدمة، استرجاع مراكزها وإحكام سيطرتها على البلدة، ثم عمدت إلى اتخاذ إجراءات صارمة آلت إلى فصل البلدة عن الجرود التي يتمترس فيها المسلحون، مما يحول دون تسرّب المقاتلين إلى داخل عرسال.

وتذهب تلك القراءة إلى الجزم بأن ما قبل الثاني من آب هو غير ما بعده، فيما خصّ المعابر الفاصلة بين عرسال وجرودها، وإقفال هذه المعابر ليس إجراءً مؤقتاً، ولا ورقة تكتيكية من أوراق التفاوض. وسيمضي الجيش في أي إجراء يعزز حماية الأراضي اللبنانية، ولن يتوانى عن مواجهة تلك التنظيمات المسلحة بالوسائل المتوافرة لديه، ولا سيما السلاح الجوّي الذي حصل عليه من الأميركيين أو سوف يحصل عليه مستقبلاً، ما دام يندرج في اطار الغطاء السياسي المؤمّن له. أما الرهانات على قفزات في المجهول، أو خطوات تتعدّى ما يشمله هذا الغطاء، فهي رهانات في غير محلها.

ما رسمه المعنيون بالشأن العسكري يدفع بالمراقبين إلى الاستنتاج بأن استدراج الجيش إلى معركة مترامية الأبعاد في جرود عرسال دونها عقبات فعلية، ذلك أن معركة كتلك لا يمكنها أن تتمّ من دون تنسيق عسكري واضح المعالم مع الجيش السوري، إذ يستحيل شنّ هجمات واسعة على المسلحين في المناطق الحدودية مع سوريا من دون مثل هذا التنسيق، وهو تنسيق يحتاج إلى قرار سياسي لا يمكن أن يتوفر في ظل سياسة النأي بالنفس التي تتبعها الحكومة في ما خص الأزمة السورية وواقع النظام. ويندرج في هذا الإطار حجم الضغوطات السياسية التي يجهد «حزب الله» في ممارستها على الأطراف السياسية في الحكومة من أجل الذهاب باتجاه التعاون مع النظام السوري في مواجهة خطر التنظيمات المتطرّفة، والتنسيق تالياً بين الجيشين اللبناني والسوري في معركة القلمون. لكنها ضغوطات لن تؤول إلى تغيير في المواقف الداخلية لقوى الرابع عشر من آذار، ولا سيما بعدما أفضى التحالف الدولي إلى إقصاء أي دور أو مشاركة أو تعاون مع النظام السوري في المعركة ضد الإرهاب.