IMLebanon

«مصالحة الجبل» خيارٌ استراتيجي.. يعلو فوق كل الاعتبارات

كما أنّ «حرب الجبل» في العام 1984 كانت أكثر «حروب» الحرب اللبنانية تعبيراً عن إنهيار «التجربة اللبنانية» القائمة – بالرغم ممّا تعرضّت له من «هزّات» – منذ العام 1943 في أقّل تقدير، فإنّ «مصالحة الجبل» في 3 آب 2001 كانت الركيزة الثانية، بعد «اتفاق الطائف»، لإمكان إنعاش هذه التجربة وإعادة الروح إليها. لا بل يمكن القول أنّه لولا تلك المصالحة لتعثرّ كل المسار السياسي «الاستقلالي» الذي قام حول «نداء المطارنة» الشهير في أيلول من العام 2000، والذي بلغ ذروته في 14 آذار 2005 بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

صحيح أنّ نداء المطارنة أطلق هذا المسار لكنّ استكماله كان مستحيلاً من دون «مصالحة الجبل»، اولّا لما للجبل من رمزية سياسية مؤسسة للكيان اللبناني، وثانياً لكون ذيول «حرب الجبل»، مادياً ومعنوياً، كانت أقسى من أنّ يتمّ تجاوزها في «مصالحة شعبية» كتلك التي شهدتها ساحة الشهداء في 14 آذار 2005.

أمّا وقد مرّ 16 عاماً على هذه المصالحة، فهي لم تفقد راهنيتها ولا أهميتها، وليس ما يؤكّد ذلك سوى تخيّل لبنان من دون «مصالحة الجبل». من هنا اكتسب إحياء هذه الذكرى بمناسبات مختلفة في اليومين الماضيين أهمية قصوى، لأنّه يؤكد حضور هذه المصالحة وأهميتها بالرغم مما قد يطرأ على هوامشها من «عوارض تكتية» لا يمكن للعقل أن يتصوّر أنها يمكن أن تؤثر على جوهر المصالحة. وإن كان لهذه المصالحة، كما سواها من العقود السياسية والاجتماعية شروط، لا بدّ من تحقّقها لترسيخ هذه المصالحة أكثر فأكثر وبالتالي تأمين ديمومتها.

من نافل القول إنّ للقوى السياسية الرئيسية في الجبل قراءتها لهذه المصالحة، خصوصاً أنّ اللعبة السياسية وتجاذباتها تمسّ أحياناً «المقدّسات الوطنية» ومنها «مصالحة الجبل»، لا سيّما في ظلّ التعددية السياسية في الجبل، وبالأخص لدى مسيحييه. لكن مع ذلك ليس بين القوى السياسية الرئيسية في الجبل، من يشكّك في مبدأ هذه المصالحة وأهميتها، وإن كان التيار «الوطني الحر» يشكو من «التهميش السياسي» في الجبل، على حد وصف مسؤول التيار في الشوف غسان عطالله، الذي يؤكّد أن على «المستوى الشعبي المصالحة تمّت وهي تُعاش يومياً في كل قرية وبلدة في الجبل، أمّا سياسياً، فلا ركائز قوية لهذه المصالحة إذ لم تكن كل القوى السياسية ممثلة فيها»، مشيراً إلى أنّ «العودة إلى قرى الجبل خجولة»، ويربط ذلك، بشكل أو بآخر، بأسباب سياسية، إذ أنّ «الإنماء في الجبل يخضع لاستنسابية سياسية، وهذا ما يجب معالجته بالاعتراف بجميع القوى في المنطقة بحسب حجمها». إلّا أنّه ورغم هذا الموقف السياسي، يؤكد «متانة العلاقات الاجتماعية بين أهل الجبل، بدليل أنّ المنطقة لم تشهد أي احتكاكات طيلة المرحلة الماضية»، وهذا ما يمكن الاستدلال عبره إلى الموقف الحقيقي للتيار في الحرص على هذه المصالحة، وإن كان يحاول أن يحسّن شروطها لمصلحته في اللعبة السياسية.

من جهتهما، يتحدّث كلٌّ من حزبَي «القوات اللبنانية» و«التقدمي الإشتراكي» عن هذه المصالحة بلسان واحد تقريباً. وهذا في شقّ أساسي منه يعود إلى ظروف اللعبة السياسية الراهنة، لكنّه كذلك يعبّر عن تمسّك كلا الفريقين بالمصالحة، كـ «خيار استراتيجي»، على حد تعبير مفوض الإعلام في «التقدمي»، الذي يشير لـ «المستقبل» إلى أنّ «هذا الخيار يعمل له الحزب قولاً وفعلاً، وهو يعلو فوق كل الاعتبارات بالنسبة إليه، ولذلك تراه يتلقّف كل مبادرة لتكريس هذه المصالحة، كما حصل أمس الأول في بيت الدين».

لا ينفي الرّيس وجود تباينات بين القوى السياسية في تقييم «مصالحة الجبل»، لكنّه يشير إلى «ضرورة تحييد هذه المصالحة عن الخطابات العشوائية والإنتخابية». ويؤكد أن «المصالحة خيار لا بديل منه، وهي راسخة سياسياً واجتماعياً. فما لمسناه طيلة السنوات الماضية أنّ ثمة إجماعاً لدى مختلف القوى في الجبل على أهمية هذه المصالحة، بالرغم من الإشكالات اللوجيستية في بعض الاحتفالات».

يتقاطع كلام مسؤول جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» شارل جبور مع الريّس عند الحديث عن «رسوخ مصالحة الجبل رسوخ الجبل ذاته»، ويستعيد تجربة المصالحة كلحظة سياسية، أثبتت، وقتذاك، أنّ «اللبنانيين قادرون على تأسيس حركة نضالية في وجه الأمر الواقع المفروض عليهم».

ويلفت إلى أنّ «الرمزية السياسية لمصالحة الجبل أنّها أسقطت نظرية النظام السوري القائلة أنه الضامن الوحيد لعدم اقتتال اللبنانيين، بينما بينّت مصالحة الجبل أنّ اللبنانيين يريدون العيش معاً وطي صفحة الحرب نهائياً»، معتبراً أنه «يجب عدم ربط عدم إكتمال العودة بأسباب سياسية».

ويشدد على أن «لا نقاط ضعف في هذه المصالحة، وهي في صلب استراتيجية القوات والإشتراكي، كما التيار الوطني الحر وكل القوى المسيحية والدرزية الأخرى في الجبل، فالتجاذبات السياسية منضبطة ضمن مبدأ الحفاظ على هذه المصالحة التي نريد أن نورثها للاجيال الطالعة». وختم بالقول «إن هناك تفهّماً متبادلاً بين القوات والاشتراكي. فكما تفهّم الأخير حرص المسيحيين على شراكة حقيقية ولم يعترض على وصول الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ولا على قانون الانتخاب، بادلته القوات بتفهّم هواجس الموحّدين الانتخابية، من أجل ترسيخ العيش المشترك في جبل لبنان الجنوبي».