IMLebanon

أزمة نظام

 

أزمة مرسوم الأقدمية لضباط دورة 1994 التي نشبت قبل بضعة أسابيع بين الرئاستين الأولى والثانية، على خلفية تجاهل رئيس الجمهورية توقيع وزير المالية، والاكتفاء بتوقيعه وتوقيع رئيس الحكومة ووزير الدفاع المختص، شرّع كل الأبواب امام أزمة أكبر تتعلق باتفاق الطائف برمته، ومصيره، وبات مشروعاً طرح السؤال على المعنيين بهذه الأزمة: هل آن الأوان لإعادة فتح هذا الملف في ظل ظروف إقليمية ودولية وحتى داخلية غير مواتية، وما هي الانعكاسات والتداعيات التي تترتب على فتحه، واللبنانيون على مسافة أقل من ستة اشهر عن موعد الاستحقاق الانتخابي؟

الإجابة على هذين السؤالين تطرح العديد من الأسئلة الجديدة عن الأهداف الكامنة وراء افتعال أزمة مرسوم الأقدمية، وهل كان القصد من فتحها هو فتح أبواب جهنم امام اللبنانيين وامام العهد تحديداً الذي أتى تحت عنوان كبير هو الالتزام بالطائف ودستوره والعمل على تطبيقه نصاً وروحاً، أم ان الهدف هو الالتزام الفعلي بهذا الاتفاق وعدم السماح بخرقه من أي فئة لبنانية؟

السجال الذي دار والذي لا يزال دائراً بين الرئاستين الأولى والثانية منذ التوقيع على مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994، يدل على ان هناك تصميماً على فتح ملف الطائف، لإعادة النظر فيه، وكان مرسوم الاقدمية المفتاح المطلوب لفتح هذا الملف، والادلة على وجود مثل هذه النية لا تعد ولا تحصى، فما معنى ان يتذكر رئيس الجمهورية فجأة حق هؤلاء الضباط في الحصول على اقدمية سنة ثم يستثني في المرسوم توقيع وزير المالية، الا إذا كان يقصد تجاوز اتفاق الطائف لاستعادة الصلاحيات التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية قبل الوصول إلى هذا الاتفاق، والكل هنا ما زال يذكر رفض الرئيس عون لهذا  الاتفاق لأنه يأخذ من صلاحيات رئيس الجمهورية، والكل يذكر أيضاً معاقبته عندما كان رئيساً للحكومة في أوائل التسعينيات للنواب المسيحيين الذين شاركوا في الطائف ووقعوا على الاتفاق.

وفي المقابل، الكل يذكر ايضا وايضا الموقف الذي أعلنه أمين عام حزب الله السيّد حسن نصرالله، خلال الأزمة الرئاسية التي قاربت الثلاث سنوات من الطائف، ودعوته الصريحة إلى تشكيل هيئة تأسيسية لإعادة النظر فيه على خلفية إعطاء الطائفة الشيعية حقوقها في المشاركة بالحكم والتي قلصها اتفاق الطائف.

وإذا كان هذا المطلب الشيعي قد جمد بعد انتخاب الحليف العماد عون رئيساً للجمهورية، فلا يعني ذلك ان الثنائي الشيعي قد تراجع عنه، ويشهد على ذلك اصراره على إسناد وزارة المالية إلى وزير شيعي لتحصل الطائفة على التوقيع الثالث، وتكون مشاركتها كاملة ومتوازنة مع الرئاستين الأولى والثالثة. وما إصرار رئيس المجلس على ان يكون توقيع وزير المالية على كل المراسيم إلا لتكريس قاعدة المثالثة بين الطوائف الثلاث وتطبيق مبدأ حكم الترويكا الذي كثر الكلام عنه بعد الطائف وخصوصا من رؤساء الجمهورية.

اليوم، وبفضل مرسوم الاقدمية دخلت البلاد في أزمة أكبر بكثير مما يُحكى تحت الأضواء يُمكن وصفها بأزمة نظام عبّر عنها الرئيس بري بقوله: ان الذي يطبّق اليوم على اللبنانيين هو اللاطائف واللادستور. كما عبّر عنها بذات اللغة تقريباً رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، وأوصل النائب وائل أبو فاعور رسالته إلى الرئيس برّي وإلى كل من يعنيهم الأمر، بدءاً برئيس الجمهورية.

النائب أبو فاعور استخدم تعبيراً دقيقاً في وصف الأزمة الناشبة بين الرئاستين الأولى والثانية بقوله: «هناك قفز فوق الطائف في النص والروحية، خصوصاً وان البعض يريد اعتباره نصاً مهملاً».