IMLebanon

جمهورية بريتال الدولة أقامتها والدولة أزالتها

«الدولة لا تستطيع فقط أن تمنع… واجبها أيضاً أن تمنح» بهذا الكلام الذي أدلى به وزير الداخلية نهاد المشنوق، أمس، من البقاع يكون قد وضع الأصبع على الجرح.

إن غياب الدولة ينجم عنه فراغ سيملأه سواها بالضرورة. وعندما حزمت الدولة أمرها وقررت أن تكون موجودة في باب التبانة وبعل محسن توارى المخلّون بالأمن تلقائياً، وما زالوا متوارين. وهكذا في بريتال وسواها.

فما تحقق أمس، في البقاع، بدءاً من بريتال تأكيد واضح آخر على أن الدولة قررت أن تستعيد دورها الأمني، على أمل أن يتبعه الدور الإنمائي. ولا نبالغ في شيء إذا قلنا إنه كان لابد من وزير «عنده بيضات» كما يطيب للبنانيين أن يقولوا. وها هو وزير الداخلية والبلديات يقرن القول بالفعل فتأتي زيارته الى بريتال، وبرفقته مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم، لتنهي أسطورة «جمهورية بريتال»، فإذا الأهالي «بنسبة  99 في المئة»، كما قال وزير الداخلية، يفتحون الأبواب والأذرع والقلوب للدولة الأم التي إشتاقوا إليها…

لم يخرج أهالي بريتال عن الدولة. ولم يخرج (قبلاً) أهالي طرابلس في باب التبانة وبعل محسن عن الدولة. الدولة هي التي خرجت عنهم وعليهم. هي التي سحبت ذاتها من عندهم. هي التي أهملتهم وتركت المجال فسيحاً أمام المرتكبين والمخالفين والمجرمين والخاطفين وتجار الممنوعات ليعيثوا فساداً وليقيموا دولة «الطفّار»، ودولة الإجرام، ودولة قهر الناس المغلوبين على أمرهم.

إن أحداً لم يقاوم قوى الجيش والأمن الداخلي والأمن العام، أمس، في بريتال. لم يقاوموا بالسلاح ولم يقاوموا حتى بالكلام. والعكس صحيح فقد كان ترحابهم كبيراً. ومن القلب كما لاحظ الوزير المشنوق.

بلدات عديدة، امس، كانت بشيبها وشبابها مرتاحة الى الخطة الأمنية. الأهالي مشتاقون الى وجود الدولة الفعلي. صحيح أن الدولة كانت هناك، بالشكل وحسب… كان هناك محافظون وقائمقامون ومخافر… ولكنه وجود رمزي لا غير. أمس صار الوجود فعلياً… وبشعار «لا أحد فوق القانون».

إلاّ أن للقانون وجهاً آخر. بل للدولة دور آخر، حدّده وزير الداخلية بقوله المبسّط والواضح: الدولة تمنع (الإرتكابات) ولكن واجبها أن تمنح.

والدولة ليست لتقمع المخالفات وتترك الناس الى مصيرهم يعانون الإهمال، والفقر، والحرمان، وعدم القدرة على مواجهة تكاليف الحياة. وإذا كان نهاد المشنوق قادراً على أن يسيّر حملة أمنية تستعيد المناطق المعنية من خاطفيها فهو ليس قادراً على أن يزيل الحرمان. فقط يقدر أن يثير الموضوع في مجلس الوزراء ويلاحقه. وعلى أمل أن يلقى التجاوب.

إن ما حدث في بريتال وحور تعلا وبعلبك والبلدات والقرى المحيطة علامة إيجابية تسجل لهذه الحكومة وتسجل للقوى التي رفعت الغطاء عن المرتكبين… وتسجل للأهالي الطيبين التواقين الى الدولة… دولة الإنماء والإعمار. دولة الإنماء المتوازن.

وتحية الى الوزير المقدام نهاد المشنوق، والى قيادتي الجيش والأمن الداخلي، والى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم.

وإن ما يحققه هؤلاء في هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة التي يمر بها لبنان سيسجله لهم التاريخ والذاكرة الوطنية بأحرف من ذهب.