IMLebanon

الإنجاز السريع.. أو الاستقالة الأسرع!

 

«… إن اللبنانيين لا يتوقعون من هذا اللقاء نتائج مثمرة، بنظر اللبنانيين هذا اللقاء سيكون كسابقاته، وبعده سيكون كما قبله، وربما أسوأ. لا يهتمّ اللبنانيون اليوم سوى بأمر واحد: كم بلغ سعر الدولار؟.. وأنا أقرّ وأعترف بأنه ليس لكلامنا أي قيمة إذا لم نترجمه إلى أفعال تخفف عن اللبنانيين أعباء وأثقال يومياتهم…» إلخ.

 

هذا الكلام ليس لقطب معارض، ولا لصحافي غاضب، ولا لسياسي حانق، بل هو من صلب خطاب رئيس الحكومة في لقاء بعبدا الخميس الماضي، الذي بدأ وانتهى كما توقع د. حسان دياب: كلام بكلام ومن دون نتائج عملية وقرارات حاسمة، فكان أن لعلع سعر صرف الدولار قبل أن يجف حبر بيان بعبدا!

 

يبدو أن رئيس الحكومة بدأ يشعر بثقل المسؤولية، بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به محاولات الحكومة الإصلاحية، ولم تستطع أن توقف الانحدار المريع في القطاعات الاقتصادية، ولا التدهور المخيف في الأحوال المعيشية، ولم تفلح في الحفاظ على وحدة التوجّه وتنسيق المواقف بين مكوناتها، وأخفقت في إحراز أي تقدّم في المفاوضات العرقوبية مع صندوق النقد الدولي، بعد فضيحة اختلاف الأرقام بين طرفي الوفد اللبناني: الوزاري والمركزي!

 

لم تعد المسألة تقتصر على تغيير الحكومة وحسب، خاصة بعد انقطاع الآمال من إمكانية تحقيقها أبسط الإنجازات، بل المشكلة تتطلب تغيير العقلية التي تقود البلد في أخطر المراحل، وأشدها تعقيداً، وأكثرها انهياراً، والتي تُفاقم الأزمات بأساليب بدائية من الإنكار والمكابرة، والصلف والعناد، بدل اعتماد سياسة أكثر تواضعاً، وأقرب إلى الواقعية والانفتاح، بعيداً عن الرغبة الجامحة بالانتقام، وتحميل المسؤولية للآخرين.

 

في ظل هذا الفشل الفادح، والمتزايد يوماً بعد يوم، يكتسب السؤال عن مبرر استمرار هذه المنظومة في السلطة مشروعية وطنية وشعبية، بل وأيضاً سياسية ودستورية. الحركات الاعتراضية لم تهدأ في الشارع منذ انتفاضة ١٧ تشرين الأول، والمعالجات الجدية غائبة، والحكم والحكومة يراوحان في دوامة من العجز وإضاعة الوقت في اجتماعات ماراثونية لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولم يصدر عنها حتى اليوم أي قرار يشفي غليل الشعب الجائع، أو يُوحي بأن ورشة الإصلاحات انطلقت، في وقت تصدح فيه الشعارات الجوفاء والوعود الوهمية، على لسان الكبير والصغير، وكأن الناس أصبحوا بلا ذاكرة، وعيونهم لا ترى الفضائح المستفزة، وعقولهم لا تستوعب «كورونا» الفقر والجوع التي داهمت أكثر من نصف اللبنانيين.

 

انهيار الليرة يكاد يتجاوز عتبة العشرة آلاف مقابل الدولار، رغم كل المشاورات والاجتماعات التي تُعقد في بعبدا وما يصدر عنها من وعود تبقى مجرد كلام في الهواء. الكهرباء إلى تراجع يصل إلى حدود العتمة، ونزيفها المالي على حاله، رغم كل التبريرات للعناد والفساد الذي يُحيط بهذا القطاع، الذي يؤدي إصلاحه إلى فتح أبواب المفاوضات الجدية للمساعدات الخارجية. أزمة النفايات تدق الأبواب، وتهدد باقتحام كل الحواجز البيئية في أي لحظة، ولا من يسأل أو يهتم، ولا من ينفض الغبار عن المخططات التي أكل عليها الدهر وشرب. البطالة تستفحل في مختلف القطاعات، ومعدلات العوز إلى ارتفاع مستمر، حتى وصلت العاصفة إلى رغيف الخبز، والحكومة ووزير اقتصادها في خبر كان، وكأن التهافت على الأفران وما رافقه من هلع وتوتر في البلد، نزل برداً وسلاماً على المسؤولين.

 

كلام رئيس الحكومة في لقاء بعبدا كان صريحاً وجريئاً، ولكن تنقصه شجاعة القرارات الحاسمة: إما الإنجاز السريع أو الاستقالة الأسرع، عله بذلك يفتح أبواب التغيير الحقيقي والحاسم على مصراعيها!