IMLebanon

استقالات بلا استقالات!

هذه حكومة العجايب والغرايب، ولا أحد يستطيع أن ينكر عليها هذه الصفات، معطوفة على صفة الاستمرار، ولو في الهواء.

أراد صحافي عتيق، ان يجري حواراً مع نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام.

إلاّ أن وزير الدفاع السوري يومئذ، مصطفى طلاس العائد طازه من موسكو، توسّط لدى نائب الرئيس حافظ الأسد، لاجراء الحوار.

بادره عبدالحليم خدام: كيف ستحاورني، وأنت لا تحمل، لا قلماً ولا ورقة.

وأجابه الصحافي: هذه هي عادتي.

بعد ساعة اكتمل الحوار، وافترق الاثنان، على ان يعود الصحافي في اليوم التالي لاطلاعه عليه.

وفي اليوم الثاني حضر الصحافي ومعه الحوار.

قرأه عبدالحليم خدام، لكنه طلب اعادة تسجيل الحوار، عند الساعة الخامسة مساء!

أنت تحتفظ بنسخة، وسكرتيري يحتفظ بالنسخة الأخرى. وهكذا كان.

***

الأمور كانت دقيقة!

الآن، كل شيء يجري في الهواء.

الوزراء اكتشفوا أنّ في البلاد فضيحة كبرى اسمها فضيحة الانترنت.

واكتشفوا أيضاً ان الفساد يجتاح السلطة… وان لا دولة في لبنان إلاّ دولة الفساد.

وحجة الجميع، ان لا رئيس جمهورية في البلاد منذ نيّف وسنتين.

وانه، بدلاً من الحكومة، ثمة ٢٤ وزيراً، كل واحد منهم يمثّل الوزارة بكاملها.

وأخيراً قرّر حزب الكتائب أن يستقيل الوزيران الرسميان في حكومة تمام سلام.

انعقد مجلس الوزراء، فتبين ان ثلاثة وزراء لا يحضرون. الوزيران سجعان قزي وألان حكيم، وبقيت استقالة الوزير الكتائبي الثالث إسمياً في الحكومة، وحلّ محلّه في الاستقالة الوزير المستقيل أشرف ريفي، بدلاً من وزير الاعلام رمزي جريج.

صمت الوزراء وبعضهم زعم انه صائم عن الكلام.

وآثر سواهم الانتظار، باعتبار ان وزيري الكتائب مستقيلان بالاسم، أما بالفعل فهم لم يرفعوا استقالة مكتوبة، واعتبروا مع الوزير ريفي غائبين.

والغياب، عدم حضور.

والاستقالة لا تحضر! إلاّ اذا قدّمها الوزراء المستقيلون خطياً.

طبعاً، لا أحد يعرف متى تكون الوزارة مستقيلة، ومتى تكون على الطريق.

انها الأعجوبة في زمان جفاف الأعجوبات.

***

وهكذا، استمرت الحكومة، ولا أحد يعرف متى تكون مستقيلة، ومتى تصبح غير مستقيلة.

هذه حكومة تتصرّف على أساس، حصولها على شرف تصريف الأعمال.

والحجة واهية: على التصرّف بالوطن، والاكتفاء بتيسير أمور الناس.

وفي الحقيقة، فان الناس يموتون، لكنهم لا يأخذونهم الى القبور، حرصاً على حرمة الأموات.

كان وزير في العام ١٩٨٢، طموحاً الى رئاسة الجمهورية، بعد الرئيس أمين الجميّل، واستشهاد بشير، فحضر اليه وفد كبير يطلب خدمة، فرحب به لأن الخدمات المجانية، هي أسهل شيء بيد الوزير الطموح الى رئاسة موقع عالٍ في دولة لم يبق فيها منصب عالٍ.

تلك، هي محنة الوظيفة في زمان ضمور الدولة، هل لهذه الأسباب يريدون رئيساً للجمهورية بلا طموح كبير.