IMLebanon

النواب المستقيلون شهداء أم ضحايا؟

 

الإجراء الذي لم يجد له المراقبون، ولا النواب الذين استقالوا من مجلس الأمة قبل ثلاثة اشهر ونيف، جواباً مقنعاً هو: لماذا كان القرار المعلن من المجلس المشار اليه بقبول استقالاتهم في اول جلسة تشريعية يعقدها البرلمان، وكأنّ الذين كانوا وراء هذا الاعلان عن قبول الاستقالات كان محضّراً سلفاً، او كان منتظراً، وجاء كورقة اليانصيب الرابحة، مع انّ استقالة رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، التي لا علاقة لمجلس النواب فيها، بقيت مطوية في الجارور لأكثر من سنة، قبل ان يتوجّه الأسمر الى بكركي ليضع اكليلاً من الزهر على ضريح البطريرك الماروني الزعيم الوطني بامتياز مار نصر الله بطرس صفير، عن الخطيئة الكبرى التي ارتكبها بحقه.

 

طبعاً، لو كان البطريرك صفير على قيد الحياة، لكان صفح عن خطيئة رئيس الاتحاد العمالي العام، لأنّ قلب البطريرك الماروني كبير، ويدعو دوماً الى الغفران، حتى انّه صفح وغفر خطايا الذين اساؤوا اليه، وبعضهم ارفع شأناً من رئيس الاتحاد العمالي العام، الذي ظلّت استقالته مجمّدة من دون حسم، بدفع من المرجعيات التي يهمّها امره، وهو الشاطر الذي يحسب حساباً لكل خطوة، ارتكب خطيئة في حق هذا البطريرك العظيم، الاب الروحي والوطني لكل اللبنانيين بامتياز. وقد ترجم خلفه البطريرك بشارة الراعي إرادة سلفه بروح مسيحية عالية وفقاً لتعاليم السيد المسيح، وعفا الله عمّا مضى.

 

النواب الذين قدّموا استقالاتهم من البرلمان لم يجد المراقبون، ولا ناخبوهم، سبباً لهذه الاستقالة، سوى الاسباب الموجبة التي افاض كل منهم في اعلانها، سواء عبر وسائل الاعلام، ام تلك التي اوردوها في كتب الاستقالة التي رفعها كل منهم الى رئيس المجلس النيابي نبيه بري.

 

البعض يعتبر انّ هؤلاء النواب ضحايا، والبعض الآخر يعتبرهم شهداء الثورة التي اجتاح شبابها شوارع العاصمة بيروت ومدناً لبنانية اخرى، حتى انّ بعضهم حاول الدخول عنوة الى ساحة النجمة لاحتلال البرلمان. فيما يرى آخرون، انّ هؤلاء النواب كانوا أُمناء لما اعلنوا المطالبة به، بعد اعلان الثوار «بوجوب اجراء انتخابات نيابية مبكّرة، لمحاولة قلب موازين القوى السياسية في الحكم والحكومة والادارة والبرلمان، بحيث تقوم في البلاد بنتيجة الانتخابات المبكّرة، اغلبية برلمانية جديدة تنبثق منها حكومة عتيدة بمفهوم سياسي جديد، يقلب النظام القائم مدنياً. واغلب الظن، انّ النواب الذين استقالوا، تقدّموا نحو الاستقالة من دون ان يعلموا بأنّ زملاءهم، الذين توافقوا معهم للإقدام على هذه الخطوة لفرط عقد البرلمان والوصول الى الانتخابات المبكّرة، سيتخلّون عنها وعنهم في آخر لحظة، ويبقون في الداخل.

 

معظم النواب الذين استقالوا يقولون بأنّ الاستقالة كانت واجبة للتغيير والإصلاح، الذي استنكفت عنه الدولة وحكامها، وابقت عليه مطلباً فوق المطالب على الرف يكسوه الغبار. ولأنّ هؤلاء النواب كانوا ولا زالوا يتطلعون الى دولة تشبههم، كما يقول النائب نعمة افرام في مجالسه، «لأنني حاولت مراراً وتكراراً اقناع من بيدهم الامر، بأنّ البلد ذاهب الى مهوار، امام ارتفاع الدين، وفائدة الدين، وحشو دوائر الدولة بالمحاسيب، وانعدام سياسة المساءلة والمحاسبة، وتكرار طلب الحكومات المتعاقبة من حاكم مصرف لبنان الاستدانة بسندات على الخزينة، يوماً باليوروبوند وآخر بالدولار، لتمويل المشاريع المنتجة، في ظلّ انعدام الرقابة على التخطيط والتنفيذ والهدر، ان لم نقل سرقة المال العام ونهب الثروة الوطنية، ما ادّى الى الكارثة الاقتصادية والاجتماعية والمالية التي تكوي كل لبنان وشعبه، ولا يُحاسب احد من المقصّرين عن حفظ الثروة الوطنية» ؟؟…

 

ما يقوله ويردّده النائب نعمة افرام في مجالسه، يقول مثله واكثر منه النواب سامي الجميل وبولا يعقوبيان ومروان حماده والياس حنكش وهنري الحلو وميشال معوض ونديم الجميل، وحتى النائب السيدة ديما جمالي، التي غادرت لبنان الى دبي ولم تقدّم استقالتها.

 

مقاعد النواب الثمانية في البرلمان لا تزال شاغرة الى اليوم. وجاء من نصح وزير الداخلية في الحكومة المستقيلة محمد فهمي، بطيّ قراره دعوة الهيئات الانتخابية في المناطق التي ينتمي اليها النواب هؤلاء «بحجة وجود وباء الكورونا، ووقوع كارثة مرفأ بيروت، الى ما هنالك من حجج تبقى حججاً واهية امام الاستحقاق الوطني الذي يفرضه الدستور على اي حكومة، واي وزير داخلية، بالدعوة سريعاً الى انتخابات فرعية ضمن مهلة محددة، لملء المقاعد النيابية الشاغرة من دون ابطاء.

 

اذا كان السبب جائحة الكورونا، فإنّ الانتشار المريع لهذه الجائحة في الولايات المتحدة الاميركية، وإصابة رئيسها بهذا الوباء، لم يحولا دون اجراء الاستحقاق الانتخابي الدستوري في موعده في جميع الولايات دون ابطاء، تطبيقاً للدستور وليس هرباً من الاستحقاق.

 

لكن الامر في لبنان على ما يبدو، مختلف، اذ انّ الجائحة ليست السبب الاساس لعدم الإقدام على خطوة اجراء الانتخابات الفرعية في موعدها التزاماً بالدستور، لأنّ بعض الاحزاب الفاعلة اجرت حساباتها، لتجد أنّ «الزمن الاول تحوّل». وتفادياً لحصول المفاجآت المنتظرة على صعيد نتائج الانتخابات الفرعية، وجدت في جائحة الكورونا سبباً لتعطيل الاستحقاق الدستوري .

 

النواب المستقيلون مطمئنون على ما يبدو الى عودتهم الى مجلس الامة، سواء بانتخابات فرعية ام عامة. اولاً لتقدير فئات الثوار لخطوتهم، وثانياً لانعدام الإجراءات الآيلة الى استئصال الفساد والفاسدين من مؤسسات الدولة المصابة بالشلل، وبقاء القديم على قدمه. وكأنّ لا ثورة انفجرت في اوساط الشعب اللبناني بكل مكوناته. ولا سمع من يجب ان يسمعوا اصواتاً من دول كبرى صديقة وشقيقة «بأن يساعد اللبنانيون أنفسهم حتى يساعدهم الآخرون».