IMLebanon

قائد في المقاومة: الشرق الأوسط الجديد دُفن في الموصل

وضع تحرير الموصل القوات الأميركية وحلفاءها أمام واقع مختلف، يرى مسؤول كبير في المقاومة الإسلامية أنه يتمثّل في دفن مجدّد للشرق الأوسط الجديد بنسخته المعدّلة، بعدما دُفن سابقاً في حرب تموز 2006

بعد ما خبرته جبهات العراق مراراً وتكراراً من محيط بغداد إلى محيط الموصل، جلس المسؤول العسكري الكبير في المقاومة الإسلامية يتحدث بارتياح عن تداعيات الانتصار على «داعش» وتحرير مدينة الموصل، مشيراً إلى أن ما حدث بمثابة دفن مجدّد للشرق الأوسط الجديد في نسخته الأميركية المعدّلة، بعدما تمكنت المقاومة الإسلامية من دفن النسخة الأولى في حرب عام 2006، التي كان فيها للمسؤول المذكور دور ميداني قيادي على أرض الجنوب.

ورأى هذا المسؤول أن كل ما أعدّه الأميركيون للمنطقة، على مدى أحد عشر عاماً، من عام 2006 إلى اليوم، من محاولات ضرب قوى المقاومة أو من مخططات تفتيت مذهبي وعرقي، وتقسيم لدول مثل العراق وسوريا وغيرها، قد دفن اليوم في الموصل، مشيراً إلى أنّ الأميركيين لم يكونوا صادقين في معركة إنهاء «داعش» هناك، وأنهم حاولوا الاستثمار في دفن التنظيم بعدما استثمروا طويلاً في قيامه، بدليل أن كل ما ألقاه الأميركيون من صواريخ على ما قيل إنها مواقع لـ«داعش» في العراق لا تعادل ما أطلقته إسرائيل، في يوم واحد على المقاومة في لبنان، خلال حرب عام 2006.

وتحدّث عن تخبّط أميركا في إدارة مشاريعها في المنطقة، فبعدما حاولت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما استغلال «الربيع العربي» وإدارة قسم من المنطقة من خلال بناء علاقة مركزية مع «الإخوان المسلمين»، بدءاً من مصر في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، قامت السعودية بدعم جهود إطاحته وحكم «الإخوان» بسبب التنافس التاريخي القائم بين الوهابية في السعودية، و«الإخوان المسلمين» في مصر.

وعندما أراد الرئيس الحالي دونالد ترامب إدارة قسم من المنطقة عبر بناء علاقة مركزية مع السعودية (الوهابية)، قام «الإخوان المسلمون» بتخريب التحالف عبر قطر مدعومة من تركيا وتيار «الإخوان» في مصر.

يترافق هذا التخبط السياسي الأميركي مع تخبط عسكري لم يسبقه له مثيل. فإسرائيل التي تلقّت ضربة موجعة في حرب عام 2006 بحسب تقارير إسرائيلية مختلفة، وواجهت فشلاً ذريعاً في مواجهة المقاومة، لم تنجح على مدى أحد عشر عاماً في فعل أي شيء يساعدها على استعادة هيبتها أو يجعلها أقل قلقاً من تعاظم قوى المقاومة في المنطقة، وباتت تستنجد بأميركا وروسيا لتقيم في الجولان شريطاً حدودياً شبيهاً بالشريط الحدودي اللبناني السابق ليبعد عنها خطر المقاومة.

المسؤول العسكري الكبير يرى أن إسرائيل لن تكون قادرة على حماية 90 كلم من الحدود مع لبنان، فكيف إذا تضاعفت هذه الحدود عبر إضافة حدود الجولان؟ بل كيف سيكون وضع إسرائيل لو أدت التطورات في المنطقة إلى تغييرات داخلية في الأردن، دفعت إلى انهيار الحدود الأردنية الإسرائيلية على امتداد مئات الكيلومترات؟

من هذا المنطلق، يوضح هذا المسؤول أن القواعد العسكرية الأميركية المستحدثة في سوريا، وعلى الحدود السورية ــ الأردنية، والسورية ــ العراقية، والتي تجاوزت العشر قواعد، إنما الهدف الأول منها حماية إسرائيل من الامتداد المتشكل من إيران إلى العراق إلى سوريا ولبنان.

لقد نزلت أميركا في المنطقة مباشرة لحماية الولاية الأميركية الثالثة والخمسين. وأولى خطوات الحماية محاولة منع التواصل أو الاتصال الحدودي السوري العراقي أمام قوى المقاومة من دون نجاح يذكر في هذا المجال. ويستغرب المسؤول نفسه كيف أن القوة العظمى الأميركية، عندما فشلت في إيجاد مناطق نفوذ تعزل سوريا عن العراق كلياً، انحدرت للاكتفاء بعمل دائرة حمراء حول قواتها بمحيط 50 كلم، لتعبّر بذلك عن فشلها في منع الاتصال البري العراقي السوري، وبالتالي الإيراني العراقي السوري اللبناني.

وعند سؤاله عمّا بدا كأنه ارتياح إسرائيلي في السنوات الأخيرة تمثل في توجيهها ضربات انتقائية إلى أهداف محدّدة في سوريا، لم ينكر المسؤول العسكري أن إسرائيل عاشت حالة سرور عندما وجدت من يشغل خصمها القوي الذي كانت تعمل على حصاره وإنهائه ليل نهار. ويشير إلى أنها دعمت بعض الخصوم، وقامت بضربات جوية لتُسهم بحسب تصورها في تهشيم المقاومة وتشتيت قواها، بل حتى أنها تطاولت بضرب بعض ما تعتبره سلاحاً استراتيجياً كاسراً للتوازن. لكن المقاومة قامت ببعض الردود التي لا تؤدي إلى حرب شاملة من ناحية، وتُفهم الإسرائيلي أنه من غير المسموح له كسر قواعد اللعبة بالكامل من ناحية ثانية، والسكوت لبعض الوقت لا يعني التسليم بالواقع.

لقد انقلب السرور الإسرائيلي إلى قلق يوم تحرير مدينة حلب، وازداد هذا القلق بعد تحرير مدينة الموصل، وطلب إسرائيل اليوم إنشاء حزام أمني في الجولان، أي في الجبهة التي كانت تعدّها الأكثر استقراراً منذ عام 1973، يشير إلى مدى القلق الذي تشعر به وإلى عمق المأزق الذي باتت تواجهه.

أما الحديث عن قوى المقاومة «المتعددة الجنسيات» التي ستقوم مجتمعة بالتصدي لأي عدوان إسرائيلي مستقبلاً، وما يتطلبه ذلك من زيارات وتنسيق ميداني مسبق، فقد رفض المسؤول العسكري الخوض في هذا الموضوع بأكثر ممّا ذكر سابقاً في الإعلام، مكتفياً بالتأكيد أن هذا أمر طبيعي وهو أحد الانتصارات الأخيرة. ويختم المسؤول بالقول إن إسرائيل كانت تظن نفسها أنها أمام مشروع ينهي حالة المقاومة ويستنزفها، فإذا بها أمام واقع ازدياد المقاومة قوة وعمقاً وامتداداً. وقال إذا كان هناك اليوم قائد إسرائيلي لديه جرأة شن حرب على المقاومة، فهدفه الأساس لن يكون أن يربح الحرب، وإنما فقط محاولة وقف نمو قوة المقاومة.