IMLebanon

لقاء بكركي تشاور بـ “الوثيقة المسيحيّة”… ولا تكون صداميّة “المردة” لا يجتمع تحت سقف القرار 1559 و”الوطني الحر”: ليس وقت السلاح 

 

ليست المرة الاولى التي تستضيف بكركي لقاءً مسيحياً وتحديداً مارونياً، والتي يتم اللجوء اليها عند كل ازمة دستورية او سياسية وسيادية، او تقوم هي بمبادرة، فاليها كان يُعهد بتقديم لائحة اسماء مرشحين لرئاسة الجمهورية مقبولة منها، وقد قدم البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير مرتين ولم يؤخذ باسمائه، وهو رعى قيام “لقاء قرنة شهوان” الذي رفع شعار اخراج الجيش السوري من لبنان بعد تحرير الجنوب في العام 2000، وكان البطريرك صفير اشد المعارضين للوجود السوري الذي تم تشريعه في اتفاق الطائف، ووافق عليه وباركه وأمّن له الغطاء المسيحي.

 

فبكركي صانعة كيان لبنان مع البطريرك الياس الحويك، والبطاركة المتعاقبون يؤدون دوراً سياسياً. ولم تكن البطريركية المارونية في مراحل “حيادية” في سياستها، بل كان لها موقف في مسائل عديدة، فهي لم تؤيد فؤاد شهاب في رئاسة الجمهورية في زمن البطريرك المعوشي، وهي رفضت ترشيح النائب مخايل الضاهر باتفاق صاغه الرئيس السوري حافظ الاسد مع الموفد الاميركي روبرت مورفي صيف 1988، واجتمع نواب مسيحيون في بكركي برئاسة البطريرك صفير وقالوا “لا للاتفاق”، فكان الرد الاميركي “الضاهر او الفوضى”.

 

وفي كثير من الاحيان، لم تكن بكركي وفق توجهات الفاتيكان الذي تتبع له الكنيسة المارونية، اذ لم تكن راضية في اثناء الحرب الاهلية التي نشبت عام 1975 عن سيطرة التطرف الماروني، خصوصاً على القرار المسيحي بالدعوة الى تقسيم لبنان، وفك ارتباطه بمحيطه العربي، في وقت كان الحضور المسيحي في الشرق يتضاءل، وحصل خلاف في مراحل كثيرة بين مقر البابوية الكاثوليكية والكنيسة المارونية، لان الكرسي الرسولي يريد الحفاظ على الوجود المسيحي في لبنان من خلال تفاعله مع شرائح المجتمع فيه، لا ان ينعزل المسيحيون في الداخل ويبتعدون عن محيطهم القومي، لانهم كنيسة انطاكية وسائر المشرق.

 

فالواقع المسيحي في لبنان كان محط انظار ومتابعة من روما، حيث وصف البابا يوحنا بولس السادس لبنان بالرسالة التي هي نموذج حضاري وتكاملي، وفق ما يقرؤها مصدر سياسي ماروني، ولا يرى فيها انفصالاً او “فدرلة” او “لبنان ذو وجه عربي”، حيث يمر المسيحيون عموماً والموارنة خصوصاً بازمة قد تسمى وجودية، ولا يفيد العودة الى “وصفات” ما قبل الحرب الاهلية التي عادت تنتشر، اذ يسود مناخ في الاوساط المسيحية، لا سيما تلك المنتمية الى احزاب وتيارات سياسية، عن ضرورة اعادة صياغة للنظام السياسي في لبنان، ولم تعد “الشراكة” بين مكوناته ناجحة، منذ ان تم الاتفاق عليها في “ميثاق العام 1943” وما سمي بـ “صيغة العيش المشترك”، ولا يوجد ما يجمعنا “بالشريك” في الوطن لا ثقافياً ولا حضارياً ولا سياسياً، حيث عادت نغمة “التعددية الحضارية” التي توسعت في اثناء الحرب الاهلية، وتم اصدار ونشر دراسات عنها من الكسليك.

 

واللقاء الذي دعت اليه بكركي يوم الخميس الماضي لممثلي احزاب وتيارات مسيحية، تحت عنوان مناقشة “وثيقة مسيحية تاريخية”، والبحث في “المسيحيون الى اين؟” فهي تعرض مسائل سياسية كمثل الحياد وسلاح حزب الله واللامركزية الادارية، وشغور رئاسة الجمهورية ووظائف المسيحيين في الدولة، وتطبيق القرارات الدولية وتحديداً 1551 و1701، وهي مسائل يشكل بعضها خلافاً عميقاً بين اللبنانيين، ولكل من القوى السياسية قراءتها وتحليلها من المسائل المطروحة في الوثيقة، لا بل هي عنوان للتباعد في حلولها، وفق ما يرى فيها مرجع في احد الاحزاب الوطنية، فتعيدنا الى طروحات مرحلة السبعينات، حيث النظرة ما زالت نفسها عند الاطراف ذاتها، من حزب “الكتائب” الذي من رحمه خرجت “القوات اللبنانية”، لجهة كيفية المواجهة للمشروع الصهيوني الذي يستهدف لبنان، وكيف يمكن للجيش ان يقف ضده، وكان الجواب في الستينات وما بعد يصدر عن مؤسس حزب “الكتائب” بيار الجميل، بان “قوة لبنان في ضعفه” ورفض لتسليح الجيش، والدعوة الى الحياد، الذي كان العميد ريمون اده من دعاته، حيث نشأ حلف ثلاثي ماروني ضم “الكتائب” وحزب “الوطنيين الاحرار” و”الكتلة الوطنية”. وهذا الحلف الذي خرج منه عميد “الكتلة” اده، وبقي فيه رئيس “الاحرار” كميل شمعون، الذي لم تحصل “كيمياء” بينه وبين الشيخ بيار، وكل منهما طامح لقيادة المسيحيين، وفعلها بشير الجميل “بتوحيد البندقية المسيحية”، بعد مجزرة الصفرا ضد “نمور الاحرار” عام 1980.

 

فوثيقة بكركي، لا تؤمن اجماعاً مسيحياً عليها بعدم مشاركة “تيار المردة”، في لقاء يطرح سلاح حزب الله من خلال تنفيذ القرار 159، اذ ترى مصادر في “تيار المردة” ان الوثيقة صيغت من اطراف هي بموقع المعادي لحزب الله ولمقاومة العدو الاسرائيلي، وهذا ما احرج “التيار الوطني الحر” الذي رأى في الوثيقة بنودا جيدة، لكن موضوع سلاح حزب الله يحل باسلوب خارج الصدام العسكري الذي بدأ البعض يعمل له، حيث لا ترى مصادر في “التيار الحر” مصلحة لبنانية، في اشعار حزب الله وهو يقاوم في الجنوب، بانه مستهدف داخلياً وتحديداً من المسيحيين.

 

ويمكن وصف لقاء بكركي بالتشاوري، ولم تنته الاطراف التي حضرته على ان الوثيقة نهائية، بل ستناقش من خلال ممثلي الاحزاب التي حضرت، والا يعطي اللقاء طابعاً طائفياً، وان كنائس مسيحية تفكر بغير ما يجري في بكركي، ولا يمكن للوثيقة ان تسمى مسيحية.