IMLebanon

“النازحون” ليسوا اختصاصاً مسيحياً

 

قبل طرق موضوع النازحين لا يمكن إلا الإشادة بأمين عام الجامعة العربية أحمد أبو الغيط لكلامه المباشر والحاسم والصريح في كل شأن سئل عنه السبت، عقب الاجتماع التشاوري لوزراء الخارجية العرب الذي ترأسه وزير خارجيتنا عبدالله بو حبيب. وليس الأمر غريباً على سياسي محترف ومثقف صاحب تجربة مديدة في الدبلوماسية ومحبّ للبنان متألمّ دوماً لما وصلنا اليه في ظل “منظومة” يعود للقارئ وصفها بما تستحق بعدما استُنفد قاموس التنديد والتقريع والتحقير.

 

وفي المناسبة، لا بدَّ من تكرار الإعجاب بـ”شطارة” الرئيس بري خلال استقباله ضيوفنا العرب. فهو كان يمزح بالتأكيد حين أبلغهم بأن وضعنا “قابل للإصلاح إذا صَفت النيات” وأن “لبنان ليس مفلساً بل متوقف عن الدفع” وكأنه كبا جولةً وغير عَنين.

 

وإذ إن الرئيس بري لم يتأخر في إثارة موضوع الفلسطينيين و”القضية المركزية” مع زائريه، يلفتُ إغفاله قضية النازحين السوريين تاركاً أمر “الرغي واللعي” فيها لفخامته ومعالي الوزير، ليس في إطار توزيع الأدوار والمواضيع، بل لأن فريقه السياسي يعزف على وتر مختلف، وحساباته تتجاوز مطلب أي مواطن بديهيٌ أن يطعم أبناءه قبل أبناء أخيه، وأي دولة عادية تعطي تلقائياً الأولوية لمواطنيها على الوافدين والنازحين، خصوصاً اذا كان وجود هؤلاء يرهق كاهل مجتمع فقير ودولة منهارة ويخلُّ بالتركيبة السكانية في بلد بُني على تسويات طائفية، ويدفع منذ استقلاله ثمن الهواجس والمخاوف والحساسيات ورغبة طوائفه مداورةً في الاستقواء بالخارج كلما سنحت الظروف ودارت الأيام.

 

مضى 11 عاماً على النزوح، لم يقصّر لبنان خلالها تجاه مليون ونصف مليون سوري، فروا من قساوة الحرب أو خوفاً من البطش. ولا أحد ينكر أن موضوع عودتهم خضع لتجاذبات دولية وإقليمية على وقع ما أسماه أبو الغيط “الحرب الأهلية” السورية التي أسفرت عن انتصار النظام على الثورة، وكان أحد تداعياته تمتين عود المحور الايراني وتوصيل العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية.

 

لا صدقية لتعميم عبء الفشل في تنظيم وجود النازحين أو إعادتهم الى بلادهم. فالمسؤولية الأولى، منذ بدأ “العهد القوي”، تقع على صاحب العهد وعلى رعاته وضامنيه قبله، اي الفريق الممانع الذي يمسك السلطة الشرعية وغير الشرعية في لبنان ويجاهر بغرامه بالنظام السوري وعلاقته المميزة بشخص الرئيس. وما إلقاء التبعة على الآخرين بحجة أن “ربيبهم” المجتمع الدولي يَحُول دون العودة مغرياً النازحين بالمساعدات سوى ذر رماد في العيون، وتخلٍ مقصود عن واجب وطني. ذلك أن الأقدر على التعاطي مع دمشق وصاحب “المَونة” الذي ضحَّى بأعداد كبيرة من مقاتليه لإنقاذ النظام هو الأجدر بالتفاهم معه، ليس لعودة رمزية بالتقسيط، بل لعودة كريمة وآمنة لجميع النازحين.

 

التقاعس في هذا الشأن الوطني ليس مسؤولية “الثنائي الشيعي” فحسب، بل يتحمله أيضاً رؤساء الحكومات السُنّة وكل من كان فاعلاً في موقع تنفيذي أو حليفاً لهؤلاء مزايداً من موقع مسيحي تابع أو وضيع. فإعادة النازحين باقية قضية وطنية توجب أن يتجند لها القادة السياسيون ولا يتجنبها زعماء الطوائف الاسلامية وعلى رأسهم دار الفتوى بالتحديد، فهي شأن خطير على كل صعيد، لا يحتمل مراوغات ومزايدات وتدوير زوايا، وليست اختصاصاً مسيحياً خالصاً بالتأكيد.