IMLebanon

عودة السوريين «مُقابل» توطين الفلسطينيين؟

 

يُجمِع المطّلعون على الشأن اللبناني أنّ طريقة معالجة ملفّ النزوح السوري لم ترقَ بعد إلى المستوى المطلوب، وكأنّ البلاد لا تعاني من أزمةٍ حقيقية قد تنفجر في أيّ وقتٍ من الأوقات.

في اللحظة التي يجري الحديث عن ترتيب أوضاع المنطقة وصوغ التسويات، يغيب لبنان عن كلّ تلك التطوّرات، إذ إنّ الجميع متفقون على خطورة كارثة النزوح ويَرغب في حلّها، لكن ليس هناك خطة موحّدة لذلك.

الاتفاق على الهدف موجود، لكن الاختلاف على الأسلوب هو الطاغي، فالقادة اللبنانيون يعيدون إحياءَ مشهدية حصار القسطنطينية: «المدينة محاصَرة وقادتُها يتشاجرون على جنس الملائكة».

حتى الآن، لم تخرج الحكومة بخطة جديّة تخاطب فيها المجتمعَ الدولي وتطلب العملَ بموجبها لحلّ هذه الكارثة، فيما اجتماعات اللجنة المكلّفة معالجة ملفّ النزوح تُطبّق مقولة «اللجان مقبرة القوانين»، بحذافيرها.

وأمام هذا الواقع، يرى من يعمل في هذا الملف أنّ المشكلات التي يواجهها كثيرة والشقُّ الأكبر منها داخلي وتنقسم بين سياسية وتنظيمية واقتصادية وأمنية.

ففي الشقّ السياسي، كلّ فريق «يغنّي على ليلاه»، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استدعى سفراءَ الدول الكبرى الأسبوع الماضي وطرَح الأزمة كما هي، فيما وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لا ينفكّ يُحاول من دون أن يتحرّك المجتمع الدولي.

أمّا بالنسبة الى رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقِه، فهو يؤيّد العودةَ من دون الحوار مع النظام السوري وعبر الأمم المتحدة، في موقفٍ يتلاقى مع مطلب «القوات اللبنانية».

وبالنسبة إلى «حزب الله» وفريق «8 آذار»، فإنّه يَستعمل هذه الورقة عاملاً ضاغطاً على قوى «14 آذار» بغية التطبيعِ مع النظام، في وقتٍ يقفُ في خندقٍ قتالي واحد مع النظام، وقد لا يكلّفه هذا الأمر أكثرَ مِن اتّصال مع القيادة السوريّة لتأمين عودة النازحين، من دون إحراج الحريري و«14 آذار»، خصوصاً أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله أعلنَ أنّه زار الرئيس بشّار الأسد وطلبَ منه الموافقة على تسوية نقلِ مقاتلي «داعش» من القلمون والجرود إلى الرقة فوافق، وبالتالي يَطرح البعض السؤال: «إذا طُلِب من الأسد عودة النازحين فهل سيَرفض؟».

وفي الشقّ التنظيمي والاقتصادي، فإنّ الأرقام التي كشَفها وزير الاقتصاد رائد خوري عن أنّ الأزمة السورية كلّفت لبنان 18 مليار دولار، كفيلة بدفعِ الدولة إلى التحرّك، لكن هناك من يطالب بمساعدة لبنان في إعالة النازحين بدلاً من ترحيلهم، في حين أنّ قطعَ المساعدات عنهم سيُعيدهم إلى بلادهم، خصوصاً أنّ أكثر من 90 في المئة هم مِن مناطق آمنة، وبعضهم مُوالٍ للنظام ولا خطرَ من معاقبته سياسياً في حال قرَّر العودة.

ويشير المطّلعون على الملفّ إلى أنّ التقارير تؤكّد أنّ جزءاً كبيراً من ذرائع البقاء ساقطة، فالقِسم الأكبر من النازحين يبقى من أجل المساعدات والاستفادة من تقديمات الأمم المتحدة، وجزءٌ من الشباب هاربٌ من التجنيد الإجباري، فيما أرقام الولادات والتي تبقى مكتومة القيد مضخَّمة، لأنّ معظمهم يسجّلون أولادهم في سوريا عبر أقاربهم، وبالتالي فإنّ أمورَهم تسير طبيعياً.

وفي ضوء هذا الواقع، يؤكّد عددٌ من الديبلوماسيين الغربيين خلال لقاءاتهم مع مسؤولين في الدولة أن لا حلّ قريباً لأزمةِ النازحين، لكن هناك مناطق آمنة يستطيع النازح العودةَ إليها طوعاً. وهذه النقطة تستفزّ الداخلَ اللبناني لأنّه يَعلم أنّ النازحين بغالبيتهم لن يعودوا، وأنّ العودة الطوعية تعني توطيناً مبطّناً.

وأمام انشغال لبنان بأزمة النازحين السوريين، يُغفل المسؤولون قضيةً أهمّ وهي أزمة اللاجئين الفلسطينيين، خصوصاً أنّ البعض يتردّد على مسامعه أنّ هناك من الدول الكبرى من يقترح المساعدة في إعادة النازحين السوريين مقابل توطين الفلسطينيين، وبالتالي فإنّ المعلومات في هذا الشأن تؤكّد أن لا نيّة لدى المجتمع الدولي لحلّ أزمة النازحين واللاجئين، خصوصاً أنّ هذا الموضوع مرتبط بعوامل إقليمية وخارجية، فروسيا التي زارها الحريري وطلبَ منها المساعدة على هذا الموضوع لم تتحرّك بعد، كذلك، فإنّ خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب كان واضحاً في هذا المجال، في حين أنّ الدوَل الأوروبّية تطلب من لبنان أن يكون شرطياً يَحرس البحر لكي لا يتسرّبَ النازحون والإرهابيون إلى بلادهم.

ولا يبدو أنّ هناك حلّاً قريباً للنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، وبالتالي فإنّ عودة الفلسطينيين لن تتمّ في المدى المنظور، وقد يُجبَر لبنان على الاختيار بين بقاء الفلسطينيين والسوريين، أو حلِّ أزمة السوريين مقابل توطين الفلسطينيين.