IMLebanon

عودة للنازحين أم دعوة للإستقواء

 

بالرغم من المئة بند وأكثر التي كانت مدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء في جلسته الأولى بعد نيل الثقة، قفز الصراع الدستوري إلى الواجهة. دستور الطائف هو البند الحاضر دائماً وأبداً مع جداول أعمال كل الجلسات. استدعى النقاش على مسألة من خارج جدول الأعمال الذي يضعه رئيس الحكومة وحده بموجب المادة 64 من الدستور، القفز فوق الدستور والعودة الى دستور 1926 الذي وضعته دولة الانتداب. الجلسة التي دعى إليها رئيس الحكومة وفقاً للدستور رُفعت بضربة على الطاولة من قبل رئيس الجمهورية بعد أن أضاف «أنا أعرف مصلحة لبنان العليا وأنا أحدّدها، فأنا في مركز المسؤولية، وهذه صلاحياتي لأني الوحيد الذي أقسمت يمين الحفاظ على الدستور وقوانين الأمّة وسلامة الأرض والشعب… هذا هو مفهومي للمصلحة الوطنية العليا، وأنا مسؤول تجاه شعبي»، حاجباً حق الكلام عن طالبيه من الوزراء.

أعلنت هذه العبارة المقتضبة عدم شرعيّة كل جلسات مجلس الوزراء المنعقدة من دون رئيس الجمهورية، لغياب من يعرف المصلحة الوطنية العليا ومن يحدّدها ومن أقسم على الدستور، وعلقت العمل بالمواد 64 (مجلس الوزراء) و65 (رئيس مجلس الوزراء) و67 (حق الوزراء بأن يسمعوا عندما يطلبون الكلام). صمتُ رئيس الحكومة المعني الأول بكلّ ما جرى في الجلسة المنعقدة في غير مقرها المحدّد في الدستور، أوحى وكأنّ دستور الطائف أضحى عبئاً ثقيلاً عليه يحمّله ما لا قدرة له على احتماله، أو هو جزء من إرثٍ سياسي فقد أهميته بعد الإنتكاسة التي مُني بها رئيس الحكومة في الانتخابات، والتي قلّصت حضوره في المجلس النيابي، حيث أصبح موقع رئاسة الحكومة رهناً بالتسوية مع الخصوم وليس ببناء التحالفات مع الأصدقاء.

ربما لم يتسنَ لحديثي السن وحديثي التجربة السياسية، ممن هم في جنة الحكم أو خارجها، الإلمام الكافي بالخلفية السياسية للحرب الأهلية اللبنانية. صحيح أنه يحلو للبعض وصفها بأنها حرب الآخرين على أرض لبنان، أو هي طموح فلسطيني للسيطرة، أو محاولة للإستقواء المتبادل بين الطوائف اللبنانية وقوى إقليمية عربية وإسرائيلية. طبعاً كلّ هذه التوصيفات حقيقية، ولكننا أطلقناها لإخفاء حقيقة المأزق السياسي الحقيقي الذي ولد مع تأسيس الكيان اللبناني، مأزق تغييب المشاركة السياسية الحقيقية وتغليب الإنتماء الطائفي على المواطنة. استدعى بعضنا الخارج للتعويض عن غبن سياسي تعذّر تعويضه، واستدعاه البعض الآخر لتثبيت غلبة اعتادها ولا يريد الاعتراف بشراكة الآخر. إنّ ما جرى على مائدة مجلس الوزراء ليس جوهره قبول أو رفض دور سوريا في حلّ مسألة عودة اللاجئين، بل يجب قراءته من زاوية الإستقواء بمكوّن خارجي لصالح فريق من اللبنانيين دون سواه، وقد سبق لهذا الخارج أن سمح لنفسه بتصنّيف اللبنانيين بين وطنيين وإرهابيين، وسبق له أن صاغ حياتهم السياسية والنقابية والأمنية وفق معاييره ومصالحه. ومن هذا المنظار يصبح من السهل فهم الإشكالية الناتجة عن سلاح حزب الله، فالسلاح ليس مرفوضاً بسبب دوره، بل بسبب تبعيّته للخارج وبما يشكله من عامل استقواء ينعكس على التوازن السياسي الداخلي.

إنّ القول بأنّ اتّفاق الطائف هو دستور لتشكيل وتقاسم السلطة بين مكونات سياسية وطائفية مختلفة خاضت صراعاً أهلياً طويلاً هو تبسيط وتجاهل للظروف التي أنتجته. إنّ هذا الاتفاق هو تسوية سياسية تأسيسية نجحت في إنهاء نظام سياسي أرسته سلطة منتدبة وارتكز على تراتبية في المواطنة. وإنّ الإمعان في تبسيط النتائج المترتبة على تجاهل مندرجات الطائف، تمهيداً لإسقاطه، هو مغامرة غير محسوبة، كما إنّ محاولة تمرير ذلك تحت عنوان تجاوز التناقضات وإعطاء الأولويّة للاقتصاد هي قفزة في المجهول.

وبهذا المعنى فإنّ التخلي عن دستور الطائف أو التمسّك به ليس قراراً بالرضوخ لميزان قوى معين في لحظة إقليمية معينة، وليس كذلك عملية تحصيل لأكثرية سياسية بهدف التمسّك بالحكم، بل هو مسؤولية للحؤول دون العودة إلى ما قبله، إلى نظام قال عنه ميشال شيحا أنّه دكتاتورية مستترة تنفصم فيه السلطة عن المسؤولية في حين ينبغي أن تكونا متلازمتين، وقال فيه عبد الحميد كرامي عبارته الشهيرة «حاكم غير مسؤول ومسؤول لا يحكم».