IMLebanon

الحَراك لحكومة ميقاتي: لا ثقة والحساب في الانتخابات

 

 

بعد أكثر من عام على استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، ونحو سنة على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة، لكن أسابيع على تكليف الرئيس نجيب   ميقاتي، تم تشكيل الحكومة التي كان اللبنانيون ينتظرونها، فقط لوضع اللبنة الأولى على طريق محاولة الخروج من الأزمة الكارثية التي تسببت بها السلطات المتعاقبة والحكومات السابقة.

 

إلا ان الأمر لا يبدو كذلك بالنسبة الى الحراكيين. وهي ليست المرة الاولى التي لا يرحب بها هؤلاء بحكومة مُشكلة منذ اندلاع احداث 17 تشرين الاول 2019.

 

اذ أنه بعد اسابيع على انطلاق تلك الانتفاضة الشعبية تم التوافق على الرئيس حسان دياب بصفته قادما من خارج منظومة الحكم وغير ملوّث بها. وفور تكليفه الذي جاء بعد حرق اسماء عديدة في الشارع، بينها اسم ميقاتي نفسه، خرج الغالب الأعم في مجموعات وشخصيات الحراك ليرفض دياب متهما حكومته بأنها سياسية مُقنّعة وتعكس في شكل مموّه الطبقة السياسية التي ثار اللبنانيون عليها.

 

وبينما اختار البعض في الحراك اعطاء حكومة دياب فرصة، إستقر الرأي بعد فترة على إدانة حكومته، وخاصة بعد مأساة انفجار المرفأ في 4 آب من العام الماضي.

 

وبعد قليل على الكارثة، تم تكليف مصطفى أديب تشكيل حكومة على اساس المبادرة الفرنسية التي تباينت مواقف الحراك حيالها، حتى ان بعضه التقى المسؤولين الفرنسيين وناقش معهم سبل الحل خلال الاشهر التي تلت. لكن الموقف المتباين تجاه دياب لم يتوفر لأديب وللحريري من بعده، وحصل اجماع على رفض الرجلين، كونهما يتبعان منظومة سياسية واحدة تُجدد لنفسها على الدوام، حسب الحراكيين.

 

وتتجلى مطالب المجموعات منذ الايام الاولى للانتفاضة حتى اللحظة، على تشكيل حكومة إنقاذية من المستقلين من خارج المنظومة الحاكمة بفئاتها كافة موالين ومعارضين، ذات صلاحيات واسعة، وقادرة على استعادة ثقة الشعب والمجتمع الدولي والمستثمرين لوقف الانهيار وإطلاق عجلة الاقتصاد لتفادي ما وصلت البلاد إليه اليوم، وبما ان المنظومة اعادت انتاج نفسها، فإن الحكومة الجديدة ليست سوى لعبة سلطوية مكررة ولا فرصة في الحكم لمن ليس مستقلاً.

 

وينتقد كثيرون في الحراك الظروف التي ولّدت هذه الحكومة، من وراء الحدود، بعد تناتش الحصص والفيتوات المتبادلة والتعطيل المتمادي والمعيب الذي آذى البلد بعمق. لذا فالحكومة الحالية ليست سوى قائمة على منطق الصفقات الإقليمية والمحاصصة وهي بذلك مرتهنة لمصالح منظومة أفقرت اللبنانيين وغير قادرة على انقاذ البلد، واتخاذ الخطوات الأساسية لاسيّما لجهة تأمين استقلالية القضاء والقيام بالتدقيق الجنائي وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح البنك المركزي وبناء شبكة امان اجتماعية، ناهيك عن تأمين الثقة للبنانيين الذين يتوجسون من احزاب الحكم.

 

من هنا بدا واضحا الرفض الكامل لما شاهده اللبنانيون في قصر بعبدا من خلال سلطة تم اختبارها لعقود ولم تنبثق إلا بعد ضوء أخضر إقليمي ودولي فولدت الحكومة بعد أكثر من سنة على «تفجير» مرفأ بيروت ومع انهيار متسارع باضطراد للوضع الاقتصادي والمعيشي.

 

ويسخر هؤلاء من مقولة قدرة الحكومة الجديدة على الاصلاح وجلبها للمساعدات «التي سيسرقها من سيأتي بها كما جرت العادة». ونسبة الى هؤلاء فإن السلطة سوف تلجأ الى «رشوة» الطبقات المسحوقة مرحليا عبر سلّة من المساعدات الاجتماعية، لكن في موازاة مرحلة رفع للدعم عن المحروقات وعن مواد أخرى، بينما ستقوم ببعض الإصلاحات الشكلية وقد تتوصل الى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي ستزيد من المعاناة بالنسبة الى كثيرين، مع استبعاد إصلاحات جذرية واستعادة الأموال المنهوبة..

 

وبمعادلة بسيطة لكن واضحة: إن المواجهة مفتوحة مع المنظومة السلطوية وباتت حرب وجود بالنسبة الى كثيرين، لكن عبر أساليب جديدة وأكثر تشاركية، مع العلم بأن السلطة لن تختلف عن سابقاتها لناحية محاولة القضاء نهائياً على الانتفاضة.

 

نقاش بين المجموعات

 

وسيتخذ التحضير للانتخابات النيابية سمة المرحلة المقبلة، والناشطون يعلمون تماما ان امام السلطة متسعا من الوقت لمحاولة استعادة شعبية مفقودة، إلا ان من الاهمية بمكان اجراء هذا الاستحقاق في موعده الدستوري عبر إدارة مستقلة تسمح بخرق في أسوأ الأحوال، وبإنتاج سلطة تشريعية وتنفيذية في أحسنها، قادرة على تنفيذ الخطة المرجوة للنهوض بالبلد وإسقاط الطبقة السياسية الحالية التي انتهت وظيفتها والتي تشكل اليوم عائقا امام النهوض بلبنان.

 

ولدى كثيرين آمال في ان تشكل الانتخابات فاتحة التغيير للنظام السياسي برمته وليس فقط المجالس والحكومات، والعمل جارٍ للاتفاق على برنامج تغييري موحد للجميع يكون على نقيض برنامج المنظومة. لكن يبدو ان الامر دونه صعوبات كون لا امكانية لاتفاق الجميع على برنامج موحد وعلى خوض معركة واحدة، وهذا طبيعي.

 

واذا كانت المجموعات تستبشر بما تحقق من انتصارات طلابية ونقابية، فإن من الخطأ إسقاط ذلك على انتخابات بلدية ونيابية لها ظروفها، ولن تقف السلطة موقف المتفرج أمام تراجع دراماتيكي فيها.. وهو ما يتخذ اليوم عنوان النقاش بين الناشطين قبل أشهر على الاستحقاق الذي تتمحور مهمة المجموعات في الضغط لإجرائه في موعده الدستوري.