IMLebanon

ثورة الجياع على عتبة السلطة!

 

مع كل التحديات الإقليمية والغليان الذي تشهده المنطقة على اثر اغتيال الجنرال سليماني وما يمكن ان يترتب على الداخل اللبناني، لا تزال الطبقة السياسية تمارس ترفها في المساومة والمحاصصة في التشكيلة الحكومية المقبلة، وتعيدها الى المربع الاول كلما تقدمت خطوة نحو التسوية، وكأن الترنح على حافة الانهيار ليس دافعاً حقيقياً لوضع حد لهذه الدوامة والخروج من هذه الازمة قبل ان تسحق ما تبقى من اقتصاد ومالية منهكة أصلاً.

 

إن نظرية تأخير التأليف بغية تسريع التأليف سقطت بعدما عجز الرئيس المكلف حسان دياب حتى الساعة عن تشكيل حكومة كان من المفترض ان طرقها معبدة من بعبدا، كما ان كل التفاف على الدستور ومحاولة قضم الصلاحيات اثبت فشله لا بل كشف النوايا الحقيقية وأسقط الكثير من الأقنعة وحرك الشارع للتصدي له، مكرساً منطق الطائفية الذي لا يزال أغلبية اللبنانيين اسرى تحت مظلة الزعامة المذهبية الضيقة!

 

الا ان فشل الرئيس دياب في التأليف لا يبدو مفاجئاً لمن تابع تجاهل القوى السياسية لمطالب الشارع، واستمرارها في التعاطي مع هذا الملف، وكأن الزمن توقف عند ما قبل ١٧تشرين، دون ادنى مراعاة للازمة المالية غير المسبوقة، وتحذيرات المجتمع الدولي المستمرة ونصائحه بالتشكيل السريع لحكومة تكنوقراط تعيد الثقة الداخلية والخارجية بلبنان تمهيداً لاعادة تدفق رؤوس الأموال وتعويم اقتصاده الغارق!

 

وبين التجاذب على الحقائب واعادة التشكيل الى المربع الاول عبر اعادة طرح حكومة سياسية، فتح الباب للرئيس المكلف للاعتذار وعادت الأنظار نحو الرئيس المستقيل الذي اختار التواري عن الأنظار في هذه المرحلة الحرجة والاعتكاف عن تصريف الأعمال مع كل التحديات التي تواجه الوطن الصغير داخلياً وخارجياً، في قرار غلّب الموقف الشخصي على المصلحة الوطنية، مما يضاف الى العوامل الضاغطة نحو الانهيار الشامل بدلا من السعي بكل الطرق الى تفاديه.

 

ان الورقة الاقتصادية التي اطلقتها كوكبة من أهل الاختصاص اللبنانيين في لبنان وحول العالم ونشرها مركز كارنيغي للشرق الأوسط، والتي تتألف من عشر نقاط للحلول الممكنة، تظهر مرة جديدة وجود الكثير من الخبرات والكفاءات التي تفوق مقدرات الأحزاب الحاكمة بأشواط، وهي قادرة على رسم خارطة طريق للخروج من هذا النفق واستيلاد الحلول ووضع الخطط الانمائية على المدى القريب والبعيد، فقط اذا ما كفت الطبقة السياسية يدها عن الملف المالي والاقتصادي تمهيداً لوضع حد للفساد وتفعيل السياسات الإصلاحية بشفافية وعبر قوانين واضحة وملزمة، مع اعادة النظر بكل مكامن الهدر عبر تفعيل الجباية وليس رفع الضرائب، اضافة الى رزمة خطوات على مصرف لبنان وسائر المصارف التقيد بها للحد من تدهور العملة واعادة الثقة تدريجياً بهذا القطاع الحيوي.

 

لن نخوض في تفاصيل هذه الورقة الاقتصادية، الا اننا نشير إليها لنؤكد مرة جديدة ان لا خروج من هذا النفق المظلم الا عبر كف أيدي هذه الطبقة الفاسدة والمهيمنة على الملف المالي والإسراع بتشكيل حكومة أهل اختصاص، بما ان الظرف يحتم وجودهم في مركز القيادة والتخطيط وليس أهل المناورات والصفقات الذين يهدد وجودهم بسقوط الهيكل على رؤوس الجميع!

 

حذار من الاستمرار بتجاهل صرخة الناس المحقة، فالثورة الفكرية والحضارية سرعان ما سوف تتحول الى ثورة جياع اذا ما استمرت إدارة الأزمة الاقتصادية على طريقة ماري أنطوانيت!.