IMLebanon

ريفي «المتمرد» يعمق جرح الحريري… والخطاب العصبوي المتشدد يجتاح طرابلس

«يعيش دولة الرئىس»، ردّدها انصار الوزير أشرف ريفي محتفلين بفوز لائحته البلدية في طرابلس دلالة على الاهداف الحقيقية التي قادته الى هذه المعركة في وجه الرئىس سعد الحريري بالدرجة الاولى، ثم باقي اعضاء التوافق البلدي الرئيس ميقاتي، الوزير السابق فيصل كرامي، الجماعة الاسلامية، وجمعية المشاريع (الاحباش).

قنبلة الانتخابات البلدية الكبرى كانت في محطتها الاخيرة وتحديداً في عاصمة الشمال، حيث يجمع المراقبون ان ما حصل لم يكن متوقعا حتى من ريفي نفسه الذي عدل خطابه بعد النتيجة، فانتقل من الدفاع عن وجوده السياسي الى الهجوم على وجود الآخرين معلناً نفسه زعيماً سياسياً يتجاوز حدود المدينة.

ومما لا شك، وفق القراءة الاولى لنتائج طرابلس، ان تيار المستقبل برئاسة الحريري غاب في الشكل وفي المضمون عن مسرح الانتخابات، فبدا كأنه أشبه في غيبوبة لا يدري ماذا يدور حوله، وهذا ما فسر غيابه عن النظر والسمع خلال وبعد العملية الانتخابية.

وحسب المعلومات فان جزءاً كبيراً من قاعدة التيار اما بقيت مستنكفة او التحقت بريفي الذي استطاع ان ينظم صفوفه مستعيناً بزعماء الزواريب وخطوط التماس القديمة. اما الجزء الباقي من جمهور «المستقبل» فانه لم يبلغ درجة تسجيل الرقم الصعب في المعادلة الانتخابية، وتحول الى رقم عادي عاجز عن تحقيق القوة التجييرية للائحة التوافق.

ومما لا شك فيه ان الخسارة القاتلة للمستقبل في طرابلس زادت من حراجته بعد الجرح الذي اصابه في بيروت، لا سيما ان الفوز في صيدا يوضع في خانة خصوصية المدينة والمؤسسات التابعة له وحضور النائبة بهية الحريري وصفات رئيس اللائحة محمد السعودي.

ويضاف الى ذلك الى ان الحريري اصيب بانتكاسات انتخابية اخرى في الشمال لا سيما سقوط اللائحة التي يدعمها النائب احمد فتفت في سير الضنية، ولولا فوز لائحة النائب الماروني هادي حبيش بالتحالف مع خصمه السابق مخايل الضاهر في القبيات وفوز انصار نائب رئيس المجلس فريد مكاري الارثوذكسي في بعض بلدات الكورة لكان «المستقبل» قد حصد فشلاً كاملاً في الشمال.

اما الرئىس نجيب ميقاتي الذي نزل على الارض بكل قوته، فانه لم يتمكن من ان يثبت انه الرجل الاول في طرابلس والشمال واضاع فرصة كان يري انها مؤاتية في هذه الانتخابات لتنصّبه زعيما اساسياً في الشارع السني.

صحيح ان اللائحة التي دعمها في الميناء قد فازت مقابل خرق محدود من ريفي والتيار العوني، إلا ان هذا الفوز لم يرتق الى ان يشكل رصيداً شعبياً وسياسياً يوازي حجم خسارته في انتخابات طرابلس.

ووفق قراءة الاوساط المراقبة فان ميقاتي حمل اللائحة التوافقية على كتفيه بنسبة اكبر من غيره، ماجعل الخسارة اكثر ايلاماً له وان كان حافظ بدرجة مقبولة على جمهوره ليكون رصيدا له في الجولات المقبلة.

وبالنسبة للوزير السابق فيصل كرامي فان خسارته تبقى محدودة لانه دخل المعركة برصيد غير قابل للخسارة اصلاً كون جمهورة مصنف اصلاً في خانة المعارضة الطرابلسية التي لا تملك حالياً تأثيراً قوياً وفاعلاً على مسرح المدينة السياسي.

ويمكن القول ان لائحة التحالف العريض دفعت ثمن الاعتدال في وجه الخطاب المتشدد الذي يجسده ريفي والذي يستند بالدرجة الاولى الى العصبية المذهبية والمناطقية.

اما نقطة الضعف الثانية في لائحة التحالف فهي موجة التشطيب التي ضربت صفوفها، ويكفي الاشارة في هذا المجال الى وجود «الجماعة الاسلامية» و«جمعية المشاريع» في هذا التحالف حيث يتعذر، بل ربما يستحيل الجمع بينهما على كل الصعد.

يضاف الى ذلك ان لائحة التحالف او التوافق افتقدت روح التجانس والخطاب الموحد، عدا عن انها نامت على حرير هذا التشكيل الواسع، ولم تحسب الحساب الى الكتل البشرية المكدسة في الاحياء الفقيرة الناقمة اصلا على السلطة بكل عناوينها.

وفي المقابل استطاع ريفي، الذي اشتغل منذ زمن بعيد على تشكيل شبكة علاقات مع هذه الاحياء، ان يستدر عطف المهمشين او المتضررين من الواقع المتردي للمدينة واعتمد ايضا على العطف الذي كسبه في مواجهة التحالف السياسي الواسع، مستخدما الخطاب العصبوي المتشدد الذي يفعل فعله في هذه الاوساط.

ولا شك ان وزير العدل المستقيل مع وقف التنفيذ نجح في معركة تصفية الحساب مع الرئيس الحريري ونوابه في المدينة، واستطاع ان يتوج نفسه في هذه اللحظة زعيما لطرابلس ببضعة الاف من الاصوات.

واذا كانت طرابلس قد خطفت الاضواء في المرحلة الرابعة من الانتخابات البلدية بفعل المفاجأة الكبرى التي شهدتها، فان المفاجأة الثانية تمثلت بفشل الثنائي المسيحي التيار العوني والقوات اللبنانية في تحقيق انتصارات مهمة خارج اطار نفوذ كل منهما، وهذا ما بدا جليا في القبيات التي انحازت الى تحالف حبيش – الضاهر، او تنورين التي جددت الولاء للوزير بطرس حرب، او في عدد من البلدات والقرى في عكار والكورة والبترون.

مرة جديدة بدا جلياً ان امتحان الانتخابات البلدية خيّب آمال التحالف العوني – القواتي الذي يبدو انه مشروع حقيق وشبه مؤكد للانتخابات النيابية المقبلة.

وفي زغرتا نجح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في قيادة التوافق مع خصمه السياسي ميشال معوض من دون تعب او عناء يذكر، واستطاع ان يلعب دوراً ملحوظاً في انتخابات البترون والكورة رغم تقليل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من تأثيره وحضوره.

ويسجل في هذا المجال ان المعركة الرئاسية كان لها حضور بارز في هذه الانتخابات لا سيما على صعيد اتساع مساحة التباعد بين فرنجيه وعون، بحيث اظهرت اجواء هذه المرحلة ان الطرفين انتقلا الى درجة جديدة في الخصومة وبات كل منهما على ضفة مواجهة للاخرى.

وفي القراءة ايضا لا بد من الاشارة الى ان الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي اللبناني قد حققا نجاحات متقدمة في عكار لا سيما في بلدة رحبة التي شهدت معركة حامية في وجه اللائحة المنافسة، بالاضافة الى التقدم الاضافي للقومي في الكورة.

ومع طي صفحة الانتخابات البلدية تبرز الملاحظات والاستنتاجات الاتية:

– خروج تيار المستقبل بنتائج مخيبة نسبيا لا سيما بعد الخسارة المرة التي مني بها مع حلفائه في طرابلس على يد «المتمرد» اشرف ريفي. وهذا يستدعي من الحريري والقيادة اعادة النظر في ترتيب البيت الداخلي على المستوى التنظيمي واعادة التواصل مع القواعد في مختلف المناطق.

– بروز تيار سني متشدد بقيادة الوزير ريفي في الشمال.

– فشل الثنائي العوني – القواتي في اكتساح الشارع المسيحي، مع الاخذ بعين الاعتبار خصوصية الانتخابات البلدية.

– نجاح الثنائي الشيعي «امل» و«حزب الله» في اكتساح بلديات بعلبك – الهرمل والجنوب والضاحية الجنوبية من دون اي خرق يذكر.