IMLebanon

عين روسيا على اسطنبول

لا جديد تحت شمس العلاقات الروسية التركية. فالدولتان كانتا في حالة صراع دائم. لقد خاضتا 12 حرباً بين القرنين السادس عشر والعشرين. مرة واحدة في تاريخهما تحالفتا ضد عدو مشترك. وكان هذا العدو هو فرنسا. حدث ذلك في عام 1798 1799. وتشاء الصدف أن تحاول فرنسا اليوم التوفيق بينهما لينضما معاً الى التحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا. ولكن بعد حادثة إسقاط طائرة السوخوي الروسية بواسطة صاروخ أطلقته طائرة حربية تركية، كان طبيعياً أن تبوء المحاولة الفرنسية بالفشل.

كانت روسيا القيصرية تتطلع دائماً نحو إسطنبول لتحويلها إلى «فاتيكان أرثوذكسية» على غرار ما كانت عليه أيام الدولة البيزنطية. وبالفعل كان يفترض أن يكون ثالث المستر سايكس (الإنجليزي) والمسيو بيكو (الفرنسي) مندوب عن وزارة خارجية القيصر الروسي لتقاسم تركة الرجل المريض (الإمبراطورية العثمانية) في عام 1916. وكان من حصة روسيا بموجب خطة التقسيم التي أُعدت، أن تكون اسطنبول كلها، وجزء من مدينة القدس، ضمن الحصة الروسية. ولكن الذي حدث هو أن اندلاع الثورة البلشفية في روسيا وسقوط القيصر، أدى إلى فشل الخطة؛ فتحولت من ثلاثية روسية انجليزية فرنسية، إلى ثنائية إنجليزية فرنسية.

تعكس سياسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحنين إلى استرجاع الدور المفقود في الشرق الأوسط. فالتدخل العسكري في سوريا وصف على لسان البطريرك الروسي ألكسندر بأنه «حرب مقدسة» للمحافظة على مسيحيي الشرق. وهو الوصف ذاته الذي اعتُمد في القرن التاسع عشر لوصف التدخل الدولي في الشرق (فرنسا لحماية الموارنة والنمسا هنغاريا لحماية الكاثوليك وروسيا لحماية الأرثوذكس وبريطانيا لحماية الدروز) وكانت الكنيسة الروسية قد استعادت موقعها ودورها كقوة معنوية وروحية بعد أن خسرته طوال الحقبة الشيوعية السوفياتية. وهكذا تحولت الكنيسة من قوة مهمشة ومرذولة إلى قوة معنوية وروحية داعمة للنظام الجديد برئاسة بوتين.

ويسعى البطريرك بتشجيع من بوتين إلى أن ينصب نفسه بطريركاً أول يتقدم على جميع البطاركة الأرثوذكس في العالم، وذلك خلافاً للاتفاق المعتمد باعتماد بطريرك إسطنبول بارثالوميوس «بطريركاً أول بين متساويين».

وقد لاقى وصف البطريرك للتدخل الروسي بأنه حرب مقدسة، كما لاقى سعيه لتبوؤ منصب التقدم على بطاركة الشرق الأرثوذكس، رفضاً وصل إلى حد الإدانة. حتى أن الكنيسة الأرثوذكسية في لبنان رفعت صوتها عالياً معلنة أن لا حرب مقدسة، وأن القتل لا يمكن أن يوصف بالقداسة.

ومنذ أن اتسم التدخل العسكري الروسي في سوريا بهذا البعد الديني، اتخذ الخلاف مع تركيا بشأن القضية السورية (الإرهاب والأسد) بعداً أعاد إلى الأذهان الصراعات المتقطعة بينهما على مدى قرون عديدة. في عام 1798 تحالفت تركيا مع روسيا ضد فرنسا. أما اليوم فإن فرنسا وتركيا عضوان في حلف شمال الأطلسي، أي أنهما متحالفان حكماً. فهل يتحالفان بالضرورة أيضاً؟ والى أي حد يمكن أن يذهب هذا التحالف؟ وإذا استفردت تركيا فأي مصير ينتظر حلف الأطلسي؟..

من المستبعد أن يتطور الخلاف الروسي التركي إلى صراع عسكري. إلا أن بوتين الذي بنى شخصيته الوطنية على قاعدة «الرجل الذي أوقف تمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً نحو روسيا، والذي شن هجوماً معاكساً على الحلف في أوكرانيا لدفعه إلى الوراء، لا يستطيع أن يتحمل أي انتكاسة تطعن بما حققه من مكاسب شعبية.