IMLebanon

روسيا والعقدة الأميركية

علّقت روسيا على تشغيل نظام دفاعي أميركي مضاد للصواريخ في رومانيا معتبرة أنّه يشكّل «تهديداً لأمنها». وقال الناطق بإسم الكرملين ديمتري بيسكوف: «منذ البداية ونحن مقتنعون بأنّ نشر النظام المضاد للصواريخ يشكل بحدّ ذاته تهديدًا لأمن روسيا».

ولا تتردّد الولايات المتحدة الأميركية منذ فرض هيمنتها على العالم للضغط على روسيا من خلال تطويق مصالحها في العالم. فتسعى عبر مجموعة من التحركات لضبط النفوذ الروسي في أيّ منطقة تتدخّل فيها. هذا ما شكّل عند القيادة الروسية إرادة التغلّب على العقدة الأميركية، من خلال تدخلها مباشرة في أكثر من منطقة رداً على التدخّل الأميركي.

إنّ لروسيا رؤية استراتجية تعمل من خلالها العودة إلى ساحة الدولية، وتقاسم النفوذ مع القوى الفاعلة الأخرى. فروسيا القيصرية في عام 1841 نافست القوى المتصارعة آنذاك على تقاسم النفوذ، حيث عبّر القيصر الروسي نيقولاي آنذاك بصراحة عن أطماع روسيا في حصتها من الإمبراطورية العثمانية بقوله: «لدينا بين ذراعينا رجل شديد المرض، وستحلّ بنا مصيبة إذا أفلت من بين أيدينا قبل أن نتّخذ التدابير اللازمة».

وفي زمن الشيوعية لم تعرف القيادة الروسية مواقف ضعف، بل عملت على تكريس عالم ثنائي القطبين. هذا العالم الذي رسمت خريطته على أساس تقاسم النفوذ من جهة، والسعي للتوسّع الجغرافي من جهة أخرى. وبعد سقوطها استأثرت القوى الغربية بمصدر القرار العالمي فتشكّلت حالة القطب المهيمن.

أمام واقع الهزيمة والتفتيت للاتحاد السوفياتي، لجأ الرئيس برويس يلتسين في عام 1992 إلى فرض السياسة التقاربية من الغرب، ما أفقدت روسيا العديد من القضايا الدولية.

إلّا أنّ تدارك الساسة الروس للموقف وإعادة تقييمه بعد فشلهم في إقامة علاقات متوازنة مع الولايات المتحدة وفقدانهم للدور الذي كان يتمتع به الاتحاد السوفياتي على الصعيد الدولي، جعلهم يعيدون ترتيب أولوياتهم وصياغة استراتيجياتهم وفق مصالحهم تجاه قضايا الشرق الأوسط. فقد دعا وقتها فلاديمير جيرنومسكي مؤسس الحزب الديمقراطي عام 1993 إلى إحياء «الإمبراطورية السوفياتية».

في عام 2015 طالب الرئيس فلاديمير بوتين من الولايات المتحدة الأميركية «أن تعامل روسيا باحترام، مع إنهاء انفراد التحكّم الأميركي». وحسب رؤية القيادة الروسية، إنّ اتباع خطة استراتيجية وعقلانية تفضي إلى إحلال التعددية القطبية محل هذا الانفراد، وعلى نحو يتناسب واتجاهات العالم الجديد. وأنّ السعي الروسي الى علاقات التفاهم مع الهند والصين وايران، وغيرها من الدول للتصدي لمصالح أميركا التي لا ترحم.

روسيا اليوم، تحقق مصالح تكتيكية موقتة، لكنّها تدرك أنّ لها سقفاً محدوداً يفرضه واقع القدرات الاقتصادية والعسكرية بالمقارنة مع الولايات المتحدة. لذلك، وفي سبيل، فرض القوى عملت القيادة الأميركية على تحقيق مصالحها من خلال العمل على إضعاف روسيا وإدخالها في أتون النار السورية. وتهديدها بدعم الجماعات الأصولية التي لا تميّز بين روسي وآخر.

صحيح أنّ روسيا الاتحادية قد أفشلت مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي سعت الإدارة الأميركية لتنفيذه في هذا الشرق. لذلك نجد الولايات المتحدة تعمل على أكثر من صعيد للجم التفوّق الروسي الجديد، وإبعاده من الساحة الدولية، ما جعل من الساحة العالمية مسرحاً للتجاذبات العسكرية حيناً، والدبلوماسية أحياناً آخرى.

لذلك، أمام هذا الواقع المستجد لروسيا التي تعمل على التخلّص من العقدة الأميركية نجد:

– أنّ روسيا لن تتوانى عن استعمال قوتها العسكرية في كلّ مرّة تشعر أنّ مصالحها مهددة، ما يفتح المجال أمام نزاعات عسكرية تدفع ثمنها الشعوب.

– تعتمد روسيا على دعم أصدقائها الدوليين في مواقفهم التي تعتبرها الولايات المتحدة أعمالاً مستفذّة يجب معاقبتها، كما هو الحال مع ايران على سبيل المثال. وذلك بهدف كسبها كصديق داعم لسياساتها الدولية.

– لن تقبل القيادة الروسية برئاسة فلاديمير بوتين بأقل من ثنائية قطبية تحكم العالم، حتى ولو كانت كلفة هذا حرباً مدمرة على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

أخيرًا، ما بات واضحاً اليوم هو التعنّت الروسي الذي يأخذ مساراً تصاعدياً أمام النزاعات الدولية، حيث إنّها لن تقبل بأقلّ من مشاركة في صنع القرار العالمي. هذا ما يضع المصير الدولي على حافة المخاطر التي تحمل أكثر من رسالة على أكثر من صعيد.