IMLebanon

هل تعود روسيا إلى المنطقة من بوابة غزة؟

 

الحرب الإسرائيلية مستمرة على غزة دون توقف من الشمال الى الجنوب من الفالوجا وجباليا الى حي الزيتون والشجاعية وخان يونس بحثاً عن أهداف تبني عليها سردية لإنتصار ميداني واضح على مقاتلي حركة حماس. ليس لدى الفلسطينيين بدائل فمن ترك منهم منزله لاحقه العدوان وبالتالي فإن ما تريده إسرائيل هو جعل حياة الفلسطينيين أكثر إستحالة ودفعهم لإخلاء المناطق التي تعذّرت السيطرة عليها. تمارس إسرائيل أقصى درجات العدوانية علّها تحقق ما يمكنها من فرض شروطها في الوقت الأميركي المتاح، والمأزق الأميركي – الإسرائيلي هو في عدم القدرة على توصيف الإنتصار المزعوم أو وضع معايير لنجاح عمليتها العسكرية. إن أقصى ما يمكن للقوات الإسرائيلية أن تحققه هو الإنتشار بين البلدات والمخيمات واقتحام بعضها أو تفجيرها.

لا تستطيع العملية العسكرية الإسرائيلية الخروج عن «مبادئ طوكيو» التي أعلنها وزير الخارجية «أنتوني بلينكن» والتي تتلخص بعدم احتلال غزة، وتثبيت قيادة فلسطينية للحكم في غزة بما يضمن عدم استخدام غزة أو الضفة الغربية مجدداً كمنصات للإرهاب والعنف، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين ووضع آلية لإعادة إعمار غزة، وتعزيز المسار نحو حل الدولتين.

 

لقد أضاف «هنري ووستر» النائب الأول لمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، في حديث لصحيفة «الشرق الأوسط» وفي معرض دفاعه عن الفيتو الأميركي المعارض لوقف إطلاق النار في غزة في جلسة مجلس الأمن نهاية الأسبوع المنصرم، إلى موقف بلينكن، «أن واشنطن لا تضع لإسرائيل خطوطاً حمراء في العمليات العسكرية الجارية، ولا تضع أيضاً جدولاً زمنياً صارماً لإنهاء الحرب في قطاع غزة؛ ونحن نناقش الإطار الزمني التقريبي وعدم إمكانية العودة إلى لحظة يكون فيها حل الدولتين مجرد شعارات».

لكنّ الجديد في ما أضافه «ووستر» يكمن في مسألتين: المسألة الأولى، التأكيد على «المصلحة الإستراتيجية لجميع الدول – بما في ذلك الولايات المتحدة – في المحافظة على السلام وعلى المكاسب التي استغرق تحقيقها عقوداً» مما يعكس قلقاً أميركياً حيال مواقف إقليمية غير منتظرة. والمسألة الثانية، هي في «الحاجة إلى إنشاء أفق سياسي فعلي وربطه بجدول زمني» يجيب على مجموعة أسئلة: «أين نحن ذاهبون؟ وكيف نصل إلى هناك؟ ومتى نصل؟». وأكمل ووستر: «سنواصل الإنخراط مع إسرائيل ومع الفلسطينيين لتجاوز اللحظة المباشرة لحرب مفتوحة وعالية التكلفة البشرية، وستكون استراتيجيتنا الدبلوماسية مبنية على «مبادئ طوكيو» التي ستحدد النقاشات لحل الدولتين في اليوم التالي للحرب».

فشل دبلوماسي غربي أم دور مستجد لروسيا في المنطقة؟!

يبدو القلق الأميركي مبرراً، في ظل عدم القدرة على تحديد توقيت نهاية الحرب ومعايير الإنتصار بالنسبة لإسرائيل، وتهديد المكاسب التي حققتها عملية السلام حتى الآن. ويتخذ القلق بعداً إضافياً مع الزيارة الطارئة والخارجة عن السياق للرئيس «فلاديمير بوتين» لكل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، يشير الى إحتمال كبير لعودة غير مرحب بها إلى المنطقة.

تستوفي زيارة بوتين كل عوامل القلق الغربي. لقد توقف الرئيس الروسي أولاً في دولة الإمارات العربية المتحدة ثم توجّه إلى المملكة العربية السعودية، وقال إن الحرب بين إسرائيل وحماس ستحتل حيّزاً بارزاً في مناقشاته. لقد أدى الصراع في غزة دوراً في تحقيق أهداف بوتين الجيوسياسية من خلال صرف انتباه القادة الغربيين عن الحرب في أوكرانيا وإعطاء الفرصة للكرملين لجذب تعاطف الناس في العديد من البلدان النامية حيث ينتشر الدعم للقضية الفلسطينية على نطاق واسع.

 

وبهذا يصبح من البديهي الإستنتاج أن زيارة دولتين وازنتين في الخليج العربي – وهي الأولى للرئيس الروسي إلى المنطقة منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022 – تتجاوز بكثير ما أعلن عنه في البيان المشترك حول تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات البترول والغاز، والتزام جميع الدول المشاركة بإتفاقية (أوبك+) بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين تعزيز استقرار أسواق البترول العالمية، أو في الجوانب العلمية والإقتصادية الأخرى.

لقد طرحت هذه الزيارة – التي تزامنت مع تأجيل زيارة مبرمجة في 3 ديسمبر/كانون الأول لولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى بريطانيا بناء على دعوة رئيس الوزراء ريشي سوناك – جملة من ردود الفعل تراوحت بين اعتبارها محاولة روسية للإلتفاف على حلفاء المملكة الغربيين، فيما اعتبر البعض الآخر أن ما جرى يؤشر إلى تراجع لنفوذ بريطانيا على المسرح العالمي مما يستدعي مراجعةً لسياستها الخارجية والدفاعية لاستعادة حلفائها. وبهذا فإن القلق البريطاني يلاقي رسائل عديدة تلقتها واشنطن في مرحلة سابقة من عدد من قادة الدول العربية ومنها الخليجية حول تراجع الإهتمام الاميركي بمنطقة الشرق الأوسط.

 

يمثّل التقاطع العربي الخليجي والروسي حول الأمن والإستقرار في فلسطين وضرورة تنفيذ القرارات الدولية وتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية – أكثر من استدعاء لدور روسي في التسوية المرتقبة للصراع الدائر في غزة. وإذ تضمن البيان المشترك إشارة واضحة إلى التعاون في المجالين الأمني والدفاعي والرغبة بتطويره بما يدعم ويحقق المصالح المشتركة بين البلدين، فإن ذلك يلاقي الهواجس الغربية التي بدأت تنظر إلى روسيا من موقع الريبة. هذا وقد قدّمت ردود الفعل الدولية حيال الحملة العسكرية على غزة والموقف الأميركي الداعم لإسرائيل بالتوازي مع هدوء جبهات القتال في أوكرانيا، مساحة لروسيا لترميم سياستها الخارجية وإطلالة جديدة لسيد الكرملين على العالم.

تقاطعات إيرانية – إسرائيلية في موسكو

لا شك إن الرئيس بوتين يتحيّن الفرصة للإضطلاع بدورٍ يعيد روسيا إلى واجهة الحدث الشرق أوسطي بعد أن أقصته الحرب على أوكرانيا عن المسرح الدولي. وفي هذا الإطار يصبح التساؤل مشروعاً حيال استقبال بوتين للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في موسكو بُعيد زيارته للسعودية والإمارات، حيث حلّ الموضوع الفلسطيني والدور الإيراني وربما أنشطة الأذرع الإيرانية العسكرية في البحر الأحمر والعراق وسوريا بقوة في الإجتماع.

قد يكون ملفتاً بعد ذلك اللقاء الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان أمام طلبة جامعة طهران نهاية الأسبوع المنصرم والذي يعكس ارتفاعاً في النبرة الإيرانية حيال ما يجري في غزة وبما يقترب من البحث عن دور دون التورط بشكل مباشر في الصراع الميداني. يقول اللهيان: «لن يجري التوصل لأي اتّفاق حول فلسطين، من دون استشارة إيران» مشدداً علی التنسيق الوثيق بين الدبلوماسية والميدان، في إشارة إلى تعاون وزارة الخارجية، و»فيلق القدس» الموكل بالعمليات الخارجية لـلـــ «الحرس الثوري». وأكد اللهيان دفاعه عن سياسة طهران في رعاية جماعات مسلحة تدين بالولاء الأيديولوجي للمؤسسة الحاكمة في إيران، كما نأى ببلاده مرة أخرى عن توجيه تلك الجماعات التي توصف بـ»وكلاء إيران» مؤكداً إنها «لا تتلقّى الأوامر من إيران، لكنها تقبل مبادئ وأفكار الجمهورية الإسلامية» وأن مهاجمة القواعد الأميركية في المنطقة هو قرار المقاومة بسبب دعمها الصريح لإسرائيل.

 

من جهة أخرى لا بد من التوقف عند الإتصال الهاتفي الطويل الذي دام 50 دقيقة بين الرئيس بوتين ورئيس وزراء الإسرائيلي نتنياهو ، والذي ناقشا خلاله الوضع في غزة والصراع الفلسطيني الإسرائيلي والوضع الإنساني الكارثي في القطاع. يكتسب هذا الإتصال أهميته إذ أنه أتى بعد زيارة بوتين الخليجية التي شكلت الجزء الأهم منه. هذا وقد قابل بوتين الإستياء الإسرائيلي حيال المواقف الدبلوماسية الروسية في مجلس الأمن بالتأكيد على استعداد روسيا للمساهمة في خفض التصعيد في غزة وفق ما جاء في بيان الكرملين.

يقدّم التعثر الميداني في غزة والإحجام الإسرائيلي والأميركي عن المبادرة الى طرح سياسي واضح لإنهاء الحرب في غزة ظروفاً أكثر من ملائمة لروسيا للتدخل كوسيط متجرد في العملية السياسية المتعثّرة لا سيما مع مطالبة إسرائيل بمهلة شهرين إضافيين لحسم الموقف، وهذا ما سيرتب تبعات سياسية كبيرة على الولايات المتحدة على المستويين الإقليمي والدولي. وقد يكون في زيارة بوتين لكل من السعودية والإمارات أكثر من إشارة إلى توسيع دائرة الإعتراض الدولي على السياسة الأميركية وإفساح المجال نحو خيارات أخرى.

ربما هناك الكثير مما يمكن لبوتين أن يضيفه إلى الوضع في غزة بالرغم من الدور المهيمن الذي تقوم به الولايات المتحدة وبالرغم من الضغوط التي تمارسها القوى الغربية لعزل روسيا. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة أن غزة لا تمثّل المدخل الوحيد لروسيا الى الحرب الدائرة وإلى إمكانية الحد من توسّع هذه الحرب لتشمل جبهات جديدة. فالجبهة السورية تشكل جزءاً من الجبهة الشمالية مع فلسطين المحتلة وهي تمثّل عامل قلق لإسرائيل التي تدرك أن استقرار هذه الجبهة وعدم السماح للميليشيات الإيرانية بإطلاق الصواريخ عبرها هو شأن روسي بإمتياز. وربما يقدّم الحظر الذي تمارسه طهران عبر ميلشيات الحوثي على كل السفن المتوجهة الى إسرائيل عبر البحر الأحمر عاملاً إضافياً ومرجحاً لدور روسي مستجد في المنطقة.